هل نشارك في التصويت في هولندا ، خوفا من نجاح الحزب اليميني المتطرف؟؟

 

السؤال:

فضيلة الشيخ حفظه الله ورعاه .....
نحن في الجالية المسلمة بهولندا يطيب لنا أن نجد منكم ردا علميا شافيا حول
موضوع مشاركة المسلمين في الإنتخابات فقد أصبحت مسألة شد وجزر بين بعض
الشباب أصحاب التوجه السلفي وغيرهم ونخشى لو ترك الآمر دون أن تخرج فيه
فتاوي عريضه وعلمية وقوية في تركيزها على أدلة الجواز أو المنع سوف يصبح
هذا مجال إشكال خاصة إذا علمتم أن هناك من يثير مشاكل حول النزول بالركبة
في الصلاة اواليدين ... الخ فنرجوا التوجيه والإفادة بالجواب .. خاصة في
غمرة تنامي الجناح اليميني المتطرف بهولندا المعادي للإسلام .
والسلام عليكم .. اخيكم ابومحمد هولندا

*********************

جواب الشيخ:

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :ـ

*** هذه المسألة ونظائرها من المسائل العصرية ، تدخل في قاعدة تعارض المصالح والمفاسد ، وأن الواجب ان يصار إلى الارجح من الامرين ، إن كانت المصلحة أرجح يصار إليها ولو وقعت المفسدة ، وإن كان درء المفسدة أرجح تدرء وإن فاتت مصالح بسبب ذلك .

والجواب على سؤالكم هو :

***لايخلو الامر إما أن يكون تصويت المسلمين غير مؤثر أو يكون مؤثرا .

***فإن كان غير مؤثر فلايصوتون ، لان تصويتهم هنا لحزب كافر مفسدة لاتزاحمها مصلحة أكبر منها .

*** والمقصود بغير مؤثر أنه قليل لايحسب في ميزان الترجيح بين المرشحين ، أو تكون كل الاحزاب سواء في الانعكاس على وضع السملمين ، فلن يغير تصويت المسلمين من الامر شيئا


** وإن كان مؤثرا فينظر حينئذ إلى تعارض مفسدة تصويتهم مع مفسدة عدم تصويتهم .

فإن كانت مفسدة عدم تصويتهم أشد ، مثل أن يؤدي ذلك إلى نجاح وانتصار حزب يكون ضرره بالغا على المسلمين على حزب آخر يعطيهم حقوقهم .

فإنهم يصوتون ضد الحزب الاشد ضررا ، مع الحزب الاخف ضررا ، درءا لهذه المفسدة الاكبر ، ولو أدى ذلك إلى وقوعهم في المفسدة الاصغر وهي التصويت لحزب كافر اصلا .

***وذلك عملا بقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما ، وقد استدل عليها العلماء بأدلة كثيرة ذكرتها في رسالة منشورة على موقعي بعنوان ( تحرير قاعدة تعارض المصالح والمفاسد ) فليرجع إليها.

ومما استدل به العلماء تولي يوسف عليه السلام لخزائن الارض في حكم الملك الكافر قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :
ومن هذا الباب تولي يوسف عليه السلام على خزائن الارض لملك مصر ، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الارض ، وكان هو وقومه كفارا كما قال تعالى ( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به ) الاية ، وقد قال تعالى ( يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ) الاية ، ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن يكون لهم عادة سيئة وسنة في قبض الاموال وصرفها على حاشية الملك ، وأهل بيته وجنده ورعيته ، لاتكون تلك جارية على سنن الانبياء وعدلهم ، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له ، لكن فعل الممكن من العدل والاحسان ، ونال السلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك ، وهذا كله داخل في قوله تعالـــى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فإذا ازدحم واجبان لايمكن جمعهما فقدم أوكدهما ، لم يكن الاخر في هذه الحال واجبا ، ولم يكن تاركه لاجل فعل الاوكد تارك واجب في الحقيقة ، وكذلك إذا اجتمع محرمان لايمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما ، لم يكن فعل الادنى في هذه الحال محرما في الحقيقة .... وهذا باب التعارض باب واسع جدا ، لاسيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة ، فإن هذه المسائل تكثر فيها ، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ) مجموع الفتاوى 20/57
وجه الدلالة أن يوسف عليه السلام ، طلب أن يتولى ولاية في حكم ملك كافر ، مع أنه لايمكن اقامة العدل كله في حكم الكافر ، وإنما يقام منه ما أمكن ، وفي سبيل تحقيق هذه المصلحة ، تغاضى عن مفسدة وقوع ما هو خلاف مقتضى العدل من الملك وحاشيته في وقت يتولى فيه يوسف عليه السلام خزائن الارض ، وكونه أحد رجال الدولة .

***وعلى علماء وأعيان ووجهاء المسلمين هناك أن ينظروا في تعارض المفاسد بين التصويت وعدمه ، ويرجحوا ماهو الاصلح للمسلمين ، فيعملوا به على قدر الضرورة ، غير باغين ولا عادين ، ولامتعدين لحدود الشرع .

***وليتقوا الله في المسلمين ، ولا يجعلوا ميزان الترشيح مصالحهم الشخصية ، بل المصلحة العامةالتي تعود بالنفع على الجالية الاسلامية هناك .

*** وعلى الجالية الاسلامية أن ينبذوا الخلاف والشقاق ويعتصموا بالتآلف والوفاق ، ليعود ذلك عليهم بالقوة والاحترام والثقل المعنوي لهم في ذلك المجتمع الكافر .

*** وعلى من يخالفهم إذ قرروا التصويت بناء على ترجيح شرعي ، أن لا يثير فتنة بين الناس ، ويعمل برأيه دون تثريب على إخوانه ، فمسائل الاجتهاد يعذر فيها المخالف
والله اعلم

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006