فضيلة الشيخ : هل يجوز بيع الذهب الخالص بالذهب المصاغ والوزن غير متماثل لأن الزيادة مقابل الصيـاغة ؟!

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  وبعد :  
 
اختلف العلماء في حكم بيع الذهب المصوغ ، بذهب خالص أكثر منه ، وجعـل الزيادة في مقابل الصنعة؟
على قولين :
 
أحدهـما : لا يجوز ، إلاَّ مثلا بمثل ، ولاعبرة للصياغة .
 وهو قول جمهور العلماء ،  واستدلوا بالأحاديث التي تنص على تحريم بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، إلاّ مثلا بمثل ، يـداً بيد ، وهي تزيد على سبعة عشر حديثا، حتى قيـل إنها متواترة.

قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة : _(والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيء من الذهب عينا كان ،  أو تبرا ، أو مصوغا ،  أونقرة ،  ورديئا بشيء من الذهب ،  إلاّ مثلا بمثل يدا بيد ،  وكذلك الفضة عينها ،  ومصوغها ،  وتبرها ،  والبيضاء منها ، والسوداء ،  والجيدة ، والرديئة سواء ،  لا يباع بعضها ببعض إلاَّ مثلا بمثل يدا بيد ،  من زاد ، أو نقص في شيء من ذلك كله ،  أو أدخله نظرة ، فقد أكل الربا) اهـ ص 302

و قال الشافعي في الأم: (ولا خير في أن يصارف الرجل الصائغ الفضة بالحليّ الفضة المعمولة ،  ويعطيه إجارته ، لأنَّ هذا الورق بالورق متفاضل).

وقال ابن هبيرة في الإفصاح: ( أجمع المسلمون على أنه لايجوز بيع الذهب بالذهب منفردا والورق بالورق منفردا ،  تبرها ، ومضروبها ، وحليها ، إلاّ مثلا بمثل،  وزنا بوزن ،  يدا بيد ،  وأنه لايباع شيء منها غائب بناجز).1/212

القول الثاني: يجـوز ذلك ، لأنَّ نصوص التحريم لاتتناول الذهب ، أو الفضة المصوغة ، فهي بالصياغة ، قـد أشبهت السـلع فأخذت حكمها .
 
وهذا القـول نقـل عن معاوية رضي الله عنه ، والحسن ،  وإبراهيم ، والشعبي ،  كما في مصنف عبد الرزاق 8/69 ،وكما جامع الأصول لابن الأثـير ، والجامع في أصول الربا ص: 160.
 
 وهو اختيار جماعة كبيرة من الحنابلة كما ذكر ابن قدامة في المغنـي 4/29 .
 
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في تفسير آيات أشكلت 2/622، وأما في اختيارات البعـلي فقـال : (ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل ، ويجعل الزائد في مقابل الصنعـة) الاختيارات للبعلي ص 112

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين2  /141: ( إنّ الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع ،  لا من جنس الأثمان ، ولهذا لم تجب فيها الزكاة ،  فلا يجري الربا بينهما وبين الأثمان،  كما لا يجري بين الأثمان ، وبين سائر السلع ، وإن كانت من غير جنسها ،  فإن هذه الصناعة قد خرجت من مقصود الأثمان ، وأعدت للتجارة ،  فلا محذور في بيعها بجنسها،  ولا يداخلها "إما أن تقضي وإما أن تربي" إلاّ كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل ) أ.هـ.

 وهذا يجري أيضا في غير الذهب والفضة ، كما قال ابن رشد في بداية المجتـهد  2/103: ( اختلفوا من هذا الباب فيما تدخله الصنعة، مما أصله منع الربا فيه، مثل الخبز بالخبز، فقال أبو حنيفة: لابأس ببيع ذلك متفاضلا ومتماثلا ، لأنه قد خرج بالصنعة عن الجنس الذي فيه الربا )  
 
وقال ابن مفلح4/149: (إن ماخرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي).
 
ومما ذكروه من الدليل على صحة هذا القول ،  أن العاقل لا يبيع الصياغة بوزنها ،  فإنـّه سفه، وإضاعة للصنعة ،  والشارع لا يقول لصاحب هذه الصياغة : بع هذا المصوغ بوزنه واخسر صياغتك ،  ولا يقول له : لا تعمل هذه الصياغة ،  واتركها ،  ولا يقول له: تحيل على بيع المصوغ  ، بأكثر من وزنه بأنواع الحيل ،  فالشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك ، والشريعة لاتأتي به ،  ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك ، وشرائه لحاجة الناس إليه ، فلم يبق إلاَّ أن يقال: لا يجوز بيعها بجنسها البتة ،  بل يبيعها بجنس آخر،  وفي هذا من الحرج ،  والعسر ، والمشقة ، ما تتّقيـه الشريعة ، فإن أكثر الناس عندهم ذهب يشترون به مايحتاجون إليه من ذلك ،  والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب ،  
 
وتكليف الاستصناع لكلّ من احتاج إليه إما متعذراً ، أو متعسراً ،  والحيل باطلة في الشرع ،  وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب ،  وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟
 
 فلم يبق إلاّ جواز بيعه كما تباع السلع  ، فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس ،  والنصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها ما هو صريح في المنع .
 
وإذا قلنا بأن الذهب المصاغ يباع كالسلع ، فإنَّ مقتضى ذلك جواز بيعه بذهب أو فضة نسيئة أيضا ،كما قال شيخ الإسلام أيضا : ( يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه ،  من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابـل الصنعة ،سواء كان البيع حالاّ ،  أو مؤجـلا ، مالم يقصـد كونه ثمنا ) .
وهذا هو أصح القولين في الدليل ، مع أنَّ الأول أحـوط ، وعليه الأكثـر ، وكان يفتي به الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله ، وكنـت أفتي به برهـة من الزمن .
والله أعلم

الكاتب: زائر
التاريخ: 26/05/2008