ما رأيك في فتوى جمعية التراث التي تجيز لولي الأمر منع الدعاء على اليهود والنصارى

 

السؤال:

ما رأيك في فتوى جمعية التراث التي تجيز لولي الأمر منع الدعاء على اليهود والنصارى
***الجواب على سؤال السائل الذي يقول فيه :

نشرت صحيفة القبس بتاريخ 5 ربيع الأول 1423هـ ، الموافق 17 مايو 2002م ، هذا الخبر : أصدرت لجنة الفتوى في جمعية إحياء التراث الإسلامي فتوى حول منع الخطباء من الدعاء على النصارى مؤكدة أنه يجوز لولي الأمر اتخاذ ما يراه محققا للمصلحة الشرعية في ذلك ، وأوضحت الفتوى التي وقع عليها كل من الشيخ ناظم المسباح والشيخ محمد السنين والشيخ محمد الحمود والشيخ حاي الحاي أنه لاتلازم بين معاداة الكفار من يهود ونصارى وبين لعنهم والدعاء عليهم والأمر يدور على مراعاة المصلحة الشرعية وهو ما يعرف بمبدأ سد الذرائع ، وفيما يلي نص السؤال وإجابة اللجنة عليه :

***هل يجوز لولي الأمر أن يمنع الخطباء من الدعاء على النصارى وغيرهم ؟
***الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : لاتلازم بين معاداة الكفار من يهود ونصارى وبين لعنهم والدعاء عليهم وذلك أن معاداة الكفار من أصول اعتقاد المسلمين ومن الثوابت العقدية لهذا الدين وأما الدعاء عليهم ولعنهم فيرجع هذا إلى المصلحة الشرعية المبنية على السياسة الشرعية التي يراها ولي الأمر بما يحقق مصلحة الإسلام والمسلمين في وقت من الأوقات ، وقد أشار ربنا عز وجل في محكم تنزيله إلى هذا المعنى بقولـــــه ( ولانتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ففي هذه الآية نهـــى الله تعالى المؤمنين عن سب آلهة المشركين إذا ترتب على ذلك سب المشركين لله تعالى ، ففي هذه الآية مراعاة المصلحة الشرعية وهو ما يعرف عند الفقهاء والأصوليين بباب ( سد الذرائع ) انتهى ما نقلته الصحيفة من الفتوى .

***والعجب أن الفتوى زادت بضم اليهود إلى النصارى في منع الدعاء عليهم .
والسؤال هو : ما رأيكم في هذه الفتوى ؟؟

*********************

جواب الشيخ:

***الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :

***تضمنت الفتوى المذكورة غلطين :

***الأول : في التسويغ لولي الأمر أن يلزم الناس بما يخالف الكتاب والسنة .

***الثاني : في تنزيل قاعدة سدر الذرائع ، في غير موضعها .

***أما الأول : فإن ما ذكر في هذه الفتوى ـ كما نقلته الصحيفة المذكورة ـ خطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة ، فقد تظافرت الأدلة منهما على أن الدعاء على الكافرين ، ومنهم كفرة اليهود والنصارى ، من إظهار البراءة منهم التي أمر الله تعالى بها في الكتاب ، وامتثلها نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، وآيات الكتاب طافحة بذلك وحصرها يطول في هذه الفتوى ، وسيأتي ذكر بعضها.

***وقد قال صلى الله عليه وسلم : (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد ) رواه النسائي من حديث أبي هريرة ، وقال : (لعن الله اليهود إن الله حرم عليهم الشحوم ، فباعوها ، وأكلوا ثمنها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه ) رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال صلى الله عليه سلم : (لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .

*** هذا ومما سئل عنه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله حكم إلزام ولي الأمر الناس بمذهبه في مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء.

***فأجاب:
***( ليس له منع الناس من مثل ذلك، ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه بالمنع نص من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا ما هو في معنى ذلك، لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك، وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الأمصار ) (مجموع الفتاوى 30/79-81)

***وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميه عمن أفتى بمسائل الاجتهاد : (ولا يجوز باتفاق الأئمة الأربعة نقض حكمه إذا حكم ، ولا منعه من الحكم به ، ولا من الفتيا به ، ولامنع أحد من تقليده ، ومن قال : إنه يسوغ المنع من ذلك ، فقد خالف إجماع الأئمة الأربعة ، بل خالف إجماع المسلمين ، مع مخالفته الله ورسوله ) 33/134

*** وإذا كان هذا في مسائل الاجتهاد التي اختلف فيها العلماء ، وأنه ليس لولي الأمر أن يمنع الناس من العمل بما دل عليه الكتاب والسنة ، فكيف بأن يمنعهم مما هو من أعظم ما شرعه الله في الكتاب والسنة ، وهو الدعاء على كفرة أهل الكتاب ، ولعنهم كما قال تعالى في المحكم التنزيل ( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) المائدة 78ـ 80

***ولاريب أن طاعة من ينهى آئمة المسلمين عن الدعاء على كفرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، لاسيما في هذا الوقت الذي يعادون فيه الإسلام أشد العداوة ، أن طاعته من طاعة المخلوق في معصية الخالق .

***وقد قال صلى الله عليه وسلم ( لاطاعة لاحد في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف ) متفق عليه من حديث علي رضي الله عنه .

***وقد ذكرت فيما سبق جوابا على سؤال السائل ( ماردك على من منع الدعاء على النصارى على المنابر ) مايلي :

***الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد المؤيد بمعجزة التنزيل ، المبشر به في التوراة والإنجيل ، وعلى آله وصحبه أفضل جيل ، وبعد :

***فقد ذكر الله تعالى أن أشد أعداء أمة التوحيد المحمدية الإسلامية ، هم كفرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى المشركين بالله ، المبدلين دين أنبياءهم الذين أسلموا ، الجاحدين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا بعد أن عرفوها كما يعرفون أبناءهم ، الكائدين لهذه الأمة المكائد الخسيسة ، الساعين في إفسادها بكل دسيسة .

***كما قال الحق سبحانه في القرآن العظيم ( وقالت اليهود عزير ابن الله ، وقالت النصارى المسيح ابن الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لاإله إلا هو سبحانه عما يشركون ، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركــــون ) .

***وإذا كان الله تعالى قال عنهم ( قاتلهم الله ) فكيف يمنع خطباء المساجد من الدعاء عليهم ؟! وإذا كان الله تعالى حكى عن السموات أنها تكاد تتفطر من افتراء النصارى عليه باتخاذ الولد ، وتكاد الأرض تنشق من هذا الكفر الشنيع ، وتكاد الجبال تطبق عليهم كما قال سبحانه : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، أن دعوا للرحمن ولدا ) فكيف تمنع منابر المسلمين من الدعاء عليهم ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم .

***هذا ،، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم من هم المغضوب عليهم المذكورون في سورة الفاتحة فقال اليهود ، ومن هم الضالون : فقال النصارى ، وأطبق على ذلك علماء التفسير اتباعا لتفسير النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن كل مسلم يدعو على اليهود والنصارى ، في ركعة من كل صلاة ، يدعو أن يجنبه الله تعالى طريقهم الضال ، فكيف يحق لاحد أن يمنع ذلك ، فلاحول ولا قوة إلا بالله .

***والواجب على المسؤول الذي منع الخطباء من الدعاء على النصارى أن يتق الله تعالى ، و أن يرعى لمنبر الخطبة الذي وضع أساسه النبي محمد صلى الله عليه وسلم حرمته ، وأن يحفظ دوره المهم في توعية المسلمين في دينهم ، وتحذيرهم من مكائد أعداءهم ، في زمن قد تداعت عليهم الأمم ، وتكالبت عليهم المحن ، فلم يبق لهم إلا بيوت الله تعالى ، عصمة لهم بعد الله من كل فتنة والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير انتهى ، (فتوى سابقة) .

****فإن قيل فنحن لم نمنع لعنهم ، ولكن جوزنا لولي الأمر المنع من إظهاره على المنابر فحسب ، عملا بقاعدة سد الذرائع ، واستدلالا بقوله تعالى ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .

فالجواب : أن سد الذرائع قسمان :

***قسم ورد في أدلة الشرع فهذا يجب المصير إليه مثل ، تحريم الخلوة بالمرأة ونحوه مما ورد في النصوص .

***وقسم لم يرد في النصوص ، فهذا نوعان أيضا :

***نوع يقطع أو يغلب على الظن ، بأنه يفضي إلى المحظور فهذا محرم ، مثل بيع السلاح في الفتنة .

***ونوع يندر إفضاؤه إلى المحظور فهذا لا يحرم مثل بيع العنب في الأسواق ، مع احتمال أن يشتريه من يتخذه خمرا .

***ومعلوم أن قوله تعالى ( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) من القسم الأول الذي ورد فيه النص ، وقد أجمعوا على منعه ، ولكن لا يصح أن يجعل دليلا على النهي عن الدعاء على اليهود والنصارى على منابر المسلمين عامة ، ذلك أن معنى الآية النهي عن سب الأصنام عند أهلها ، لمن يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى عند سبها ، كما قال القرافي : ( وَسَبِّ الأصنام عِنْدَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا , وَيُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا ).

***ومعلوم أن ذلك يحدث في السب عند الملاحاة والخصام ، مما يشعر بالإهانة والتحقير ، وإلا فالقرآن مليء بسب آلهة المشركين ، وأنها لا تنفع ولا تضر ، وأنها لاتشفع ، وأنها هي ومن يعبدها حصب جهنم ، وأنها طواغيت ، وهو مبالغة من الطغيان ، وأن عبادتها طاعة للشيطان ، وغير ذلك مما طفح به القرآن ، ولاتعارض بين هذا كله ، والنهي عن سب آلهة المشركين عند الملاحاة خشية أن يقع السب منهم على الله تعالى .

*** ثم النهي هنا عن سب آلهتهم ، إذا كان سيؤدي إلى سب الله تعالى ، أما لعن اليهود والنصارى امتثالا لما في القرآن ، والدعاء عليهم على منابر المسلمين وفي مساجدهم وصلواتهم ، فلن يؤدي إلى سب الله تعالـــــى ، لانهم ـ أعني كفرة اليهود والنصارى ـ يؤمنون بالله تعالى فلن يقع منهم السب ، وإن كان إيمانهم بالله لا ينفعهم لانهم أشركوا به.

***والمقصود أن الاستدلال بقاعدة سد الذرائع هنا في غير محله ، لان الدعاء على كفرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ولعنهم ، لا يحصل به الإفضاء إلى مفسدة ، ولا معنى لاعتقاد ذلك ، ولاوجه له البتة .

***بل في ذلك من المصالح العظيمة ، ما يجعله من أهم المطلوبات الشرعية لاسيما هذه الأيام ، حيث تكالب كفرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى على المسلمين في بقاع الأرض ، واشتد مكرهم وكيدهم ، وطغى ضررهم ، وعظم شرهم ، مما يجعل الدعاء عليهم ، لو قدر انه منهي عنه سدا للذريعة ، يجعله مطلوبا مشروعا :

***كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه : ( وَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ لا لاَنَّهُ مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ يُشْرَعُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ وَلا تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ لِغَيْرِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ ) .

***فكيف وهو أصلا مطلوب من كل مسلم كما تقدم .

***ومعلوم أن الدعاء من أهم وسائل المسلمين في رد كيد أعداءهم ، والنصر عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ) رواه مسلم من حديث أبي الدرداء ، أي تنصرون بدعاءهم .

***فإن قيل لم نمنع الدعاء عليهم ، وإنما إظهاره ، فالجواب : إن في إظهار الدعاء على كفرة اليهود والنصارى المحاربين لله ورسوله ولدينه ، امتثالا للقرآن العظيم ، وطاعة لله رب العالمين ، واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ، و تقوية قلوب المؤمنين ، واجتماعها على الدعاء وهو أرجى في الإجابة ، وإظهارا لعقيدة الولاء والبراء ، فكيف يحل لاحد أن يمنع ذلك ، بغير علم ، ولاهدى ، ولا كتاب منير .

***ولا يعارض هذه المصالح أي مفسدة ، وليس في مقابل هذه المصالح ، إلا موافقة الحكام الذين خانوا الله ورسوله ، وبدلوا شريعته ، وذلوا لأعدائه ، وأسلموا أولياءه ، ثم لما انتهوا من ذلك كله ، عادوا إلى منابر المسلمين ، فمنعوها من الدعاء على الأعداء ، فمن بلغ به الخوف والذل لاعداء الله هذا المنتهى ، فليس منه مرتجى .
هذا ونسأل الله تعالى أن يسدد ألسنتنا ، ويهدي قلوبنا ، ويرزقنا الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وان يعصمنا من مضلات الفتن ، وان يجعلنا هادين مهديين ، غير خزايا ولا نادمين آمين وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير . حامد بن عبد الله العلي
5 ربيع الأول 1423هـ ، 17مايو 2002م

الكاتب: سائل
التاريخ: 13/12/2006