فضيلة الشيخ ما هي الأدلة التي احتج بها من يوجب القيام بوجه السلطة الظالمة بالقوة ، ومن هم القائلون به من المذاهب والعلماء ؟!

 

 
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وبعد :
 
فقد احتج القائلون بهذا المذهـب ، بقوله تعالى : ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) .
 
وبقوله تعالى : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل )
 
وبقوله تعالى: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) ، وهذه الآيات ، ونظائرها  في القرآن ، دلالتها عامّـة ، فتشمل بغـي السلطة وغيرها ، فكلُّ من بغى على المسلمين ، يجب منعه ولو بالقتال ، إذ الغاية هي منع البغي ، وكفّ ضرره على الناس ، ولئن كان قتال الباغـي من غير السلطة مأمورا به ، مع أنه أخف ضررا على الناس من بغي السلطة ، فقتال السلطة الباغية أولى بأن يكون مأمورا به ، وقياس الأولى أقوى القياس ، وأثبته ، وأحكمه ، فثبت بالنص والقياس ،  وجوب منع البغي ، ولو بالقتال .
 
وبقوله تعالى ( لاينال عهدي الظالمين ) ، وهي نص بإنتقاض عهد الظالم ، وحينئذ بلا حقَّ له ، ويجب نزعه بالقـوّة ، إذ هو مغتصب للسلطة.
 
وبالآيات التي تحذّر من الظلم ، وتبيّن خطره العظيم ، وعواقبه الوخيمـة ، وفيها دلالة على أمر الشريعة بالسعي في إزالة الظلم ، وتحقيق العدل بكلِّ سبيـل ، ولو بالقـوّة.
 
وبالآيـات التي تأمر بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، باليد أولا.
.
والعدل هـو أعظم مأمور به ، فيجب تحقيقه ما أمكـن وإن بالقـوّة . 
 
والظلم أعظم منكر ، فوجب تغييره باليد ، والقـوَّة .
 
والدليل على أنّ هذه الآيات تشمل ظلم السلطة حديث ابن مسعود ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي بعثه الله قبلي إلاّ كان له من أمته حواريون ، وأصحاب يأخذون بسنته ، ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف نم بعدهم خلوف ، يقولون مالايفعلون ، ويفعلون مالايؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) رواه مسلم ، ولهذا قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله : ( وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد ) جامع العلم والحكم 304
 
وبحديث ابن مسعود رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنّة ، ويعملون بالبدعة ، ويؤخّرون الصلاة عن مواقيتها ، فقلت : يارسول الله إن أدركتهم كيف أفعل ؟ قال : تسألني يا ابن أمّ عبد ماذا تفعل ؟ لا طاعـة لمن عصى الله ) رواه أحمد ، وابن ماجه ، وغيرهما
 
وبحديث أبي بكر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه ) رواه احمد ، وأصحاب السنن.
 
وبحديث عقبة بن مالك رضي الله عنه ، قال : ( أعجزتم إذ بعثت رجلاً فلم يمض لأمري ، أن تجعلوا مكانه من يمضـي لأمري ) رواه أبو داود ، وقصته أنَّ أمير السرية خالف أمره صلى الله عليه وسلم ، فلما رجعوا ذكروا له ذلك ، فقال الحديث .
وبحديـث النعمان بن بشيـر رضي الله عنـه ، عن النبيّ ‏صلى الله عليه وسلــم ‏،  ‏قال ‏ ‏: ( مثل القائم على حدود الله ،  والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها ، إذا استقوا من الماء ، مرُّوا على من فوقهم ،  فقالوا :  لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ) رواه البخاري وغيره ،  وهذا عام يشمل إذا كان الذي يسعى لإغراق السفينة هم ذوو السلطة ، فإن أُخـُذ على أيدهم نجا الناس ، وإن تُركوا حدث الهلاك والعياذ بالله تعالى .
 
وبحديث جابر رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم ( كيف تُقدّس أمـَّة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهـم ) ، رواه ابن حبان والطبراني ، وهذا يشمل السلطة الظالمة ، فيجب الأخذ على يديها إن ظلمت الضعفـاء.
 
وبما رواه ابن اسحاق حدثني الزهري ، حدثني  أنس رضي الله عنه ، فيما قاله الصديق في أوّل خطبه له ، قال (  ثم تكلم أبو بكر ، فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :  أمابعد ،  أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ، ولست بخيركم ، فان أحسنت فأعينوني ، وان أسأت فقوّموني ،  الصدق أمانة ، والكذب خيانة ،  والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ،  ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلاّ عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ،  فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ) قال ابن كثير ، وهذا إسناد صحيح أ.هـ ، وقد قال الصديق هذه الجمل العظيمة ، في حضرة خيار الصحابة ، وفي مجمع عام يشملهم ، فلم ينكر عليه أحـد .
. 
كما احتجُّـوا بالأحاديث التي تحضُّ على إظهار النكير على حكام الجور :
 
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : (أفضل الجهاد كلمة حق _ وفي رواية عدل _ عند سلطان جائر ) رواه الترمذي، وأبو داود ،وابن ماجه وغيرهم .
 
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : أنت ظالم ، فقد تُودِّع منهم ) رواه أحمـد والبيهقي .
 
كما احتجوا بالأحاديث التي حذّرت من أئمة الجور ، والضلالة ، وأنَّ شرَّهم على المسلمين عظيم ، قالوا : ومحال أن يجتمع هذا التحذير الشديد المقرون بأنهم سبب هلاك الأمـة ، مع الأمـر بتركهـم وجورهـم !
 
منها : عن ثوبان رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( وإنما أخاف على أمتي الأئمّة المضلين ) رواه الترمذي وغيره
 
وعن شداد بن أوس قال صلى الله عليه وسلم : ( أخوف ما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلين ) روه الطيالسي
 
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( أشدّ الناس عذابا يوم القيامة ، رجل قتله نبيُّ ، أو قتل نبيـّا ، وإمام ضلالة ، وممثل من الممثلين ) رواه الإمام أحمـد ، ومعنى قوله ( ممثل من الممثلين ) أي صانع التماثيل لذوات الأرواح ،
 
 وعن كعب بن عجرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو دخل ، ونحن تسعة ، وبيننا وسادة من أدم ، فقال : ( إنها ستكون بعدي أمراء ، يكذبون ، ويظلمون ، فمن دخل عليهم ، فصدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فليس منّي ، وليست منه ، وليس بوارد علي الحوض ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ويعنهم على ظلمهم ، فهو منّي ، وأنا منه ، وهو وارد علي الحوض ) رواه أحمد وغيره .
 
وبقول عمر رضي الله عنه لزياد بن حديـر : ( هل تعرف ما يهدم الإسلام ، قلت : لا ، قال : يهدمه زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وحكم الأئمة المضلّين ) رواه الدارمي.
 
أما من قال بهذا القول ، فهذا _ أعني إزالة السلطة الظالمة ، ولو بالقوّة _ مذهب مشهور لكثير من أئمة السلف ، من الصحابة ، والتابعين ، بل حكاه ابن حزم عن أكثرهـم ، هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ومذهب الشافعي في القديم ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وهـو مذهب صاحب الإمام أحمد ، أحمد بن نصر الخزاعي ، وقد قام بالسلاح على السلطان الواثق ، واستشهد رحمه الله في تلك الوقعـة ، أما الإمام مالك ، فقد صـرح بأنه يقاتل مع العدل سواء كان القائم ، أو الخارج عليه ،  كما في رواية سحنون ، والمذهب الآخر قيـَّد المنع بالخوف من وقوع فتنة ، يبقى معها الظلم ، وتزداد المفاسد ، وسفك الدماء ، فعُلم أنه إذا انتفت هذه العلَّة ، فالمسألة حينئذٍ إجماع بين المذاهب في السلطة الجائرة ، أما عند وقوع الكفر البواح ، فلا خلاف في وجوب الجهـاد أصـلا .
 
والله أعلم

الكاتب: زائر
التاريخ: 27/01/2011