السائل: زائر التاريخ: 30/12/2007 عدد القراء: 8464 السؤال: الرد على بعض الأفاضـل ؟
جواب الشيخ: فضيلة الشيخ حرصا منا على تجنب الجدال ، والمراء ، والفتن ، نصوغ سؤالنا صياغة بتجرد ، فنقول : هل هذه الدول الموجودة الآن يصح أن يقاس عليها الإمامة الشرعية؟ ، وهل للتمكين أو السلطان الذي يمكن للإمامة به أداء واجباتها أوالشوكة حد أدنى يشترط لتكون إمامة شرعية ، أم الأمر مفتوح بلا حدود منضبطة ، .. أفتونا مأجورين.
الجواب
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبده ورسوله ، قد ذكرنا فيما مضى فتوى فصلنا فيها شروط الامامة الشرعية وبينا أنها من غير هذه الشروط قائمة على غير أصل شرعي ، وهـو إحداث في الدين .
وشريعة الله لاتتبدّل ، ولا يجوز إقرار ما يخالفها ، وفرض حفظها أعظم من فرض الجهاد ، بل إنما فرض الجهاد لحفظ الشريعـة .
أما العلماء ، والدعاة ، المصلحون ، والمجاهدون ، والحركات الجهادية ، فتجتهد ، فتصيب ، وتخطىء ، وستذهب بتجربتها تلقى بها ربها ، لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ، وسيقيّمها حكماء الأمة وينصفونهـا ، فيشكرنها على ما أصابت ، ويبّينـون خطأها ، وستبقى الأمة ، وستنصـر على جميع أعداءهــا ، وتبقى شريعة الله المنزلة محروسة من كلّ تغيير وتبديل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الإمام جنة ، يقاتل من وراءه ، ويتقى به ..الحديث ) متفق عليه ، أيّ يستجنّ به الناس ، أي يستترون ،ويتقون ، كما قيل : السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كلُّ ضعيف وملهوف ، و الحديث نص في أنّ من يستجن به الناس ، فيحمي الثغور ، ويقيم الشريعة ، ويكون مبسوط اليد على الناس ، والموارد ، فيما تحت سلطانه في الحد الأدنـى ، مع اتصافه بما يشـترط في الامام ، هو الامام في الامامة الشرعية التي تجب طاعتها ،ويأثم من يعصيه ، بنص القرآن والسنة ، ، هذا الذي عليه الفقهاء من أهل المذاهب المفتى بها .
وغيره لايكون إماما ، فكيف يكون إماما في إمامة شرعية وفق أحكام شريعتنا ، من يستجنّ هو بالناس ، فهو خائف لم يبدّل خوف نفسـه أمنا ، فضلا عن تبديل خوف الناس أمنا ، مطارد ، عاجز إلاّ عما يقوم به أهل الجهاد من حرب العصابات والكرّ والفـرّ ـ مما له فيه فضل الجهاد العظيم ـ مقبوض اليد عن القدرة على التصرف في الشأن العام ، ولاريب في تسميته إماما ضـد مقصود النص النبوي .
قال الإمام الشوكاني في وبل الغمام: (ملاك أمر الإمامة ،وأعظم شروطها، وأجل أركانها ، أن يكون قادرا على تأمين السبل ،وإنصاف المظلومين من الظالمين ، ومتمكنا من الدفع عن المسلمين إذا دهمهم أمر يخافونه كجيش كافر ، أو باغ ، فإذا كان السلطان بهذه المثابة ، فهو السلطان الذي أوجب الله طاعته ، وحرم مخالفته ، بل هذا الأمر هو الذي شرع الله له نصب الأئمة وجعل ذلك من أعظم مهمات الدين) إكليل الكرامة لصديق خان: 114
وقد قال تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم ، وعملو الصالحات ،ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكننّ لهم دينهم الذين ارتضى لهم ، وليبدلهّم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ..الآية )
فهذه هي المقاصد التي تحصل بالإمامة ، والإمامة هي التي يحصل بها هذه المقاصد ، وبالجهاد وبتأليف قلوب الأمة ، ونصر بعضها لبعض ، ودرء الفتن عنها ، ومحاربة التعصبات بينها ،والسعي لوحدتها ، وتجميع طاقاتها يحصل التمكين والاستخلاف ،
ولايمكن لطائفة واحـدة ـ كما بينا في مواضع كثيرة ـ أن تقوم بذلك لوحدها في هذا الزمن الذي تداعت فيه الأمم على أمّتنا.
أما حال الأنظمة الموجودة فلايخفى ما فيه من النواقض العظـام ، والموبقات الطوام ، وقد بيّنا في فتاوى كثيرة أنّ السلطة التي لاتحكم بما أنزل الله لاشرعية لها أصلا ، ومعلومٌ أنـه حتى لو جعلت للدولة العصريّة العلمانية اصطلاحات تحددها ، فليس لذلك علاقة من قريب ولا من بعيد بأحكام الشريعة في الإمامة ، وبيعتها ، وما يشترط لها ويترتب عليها ، فالنظام السياسي الإسلامي لـه مصادره ، وخصائصه ، واستقلاليته ، في أحكامه ، ودلائله ، وحتى أسماءه الشرعية.
وقد بيّنا أنّه من الخطورة بمكان لاسيما في هذا العصر ، المخاطرة بتقديم نماذج مجتزئة ، سيئة ، متعجلّة ، للنظام السياسي الاسلامي ، فلايصــح أن يُترك هذا المشـروع لكلّ مجرب ، ولا أن يُقتحم بالعجلة ، ولا أن يُتجرّأ عليه في كلّ موضع ، ولا أن يُوكـل إلى من ليس أهلا لحمله ، فيورِث ذلك إحداثا في الدين ، وإفسادا في المسلمين ، وصدا عن سبيل الله الله تعالى .
هذا ..ونحن نعلم أنه يكون في البلاد التي يحتلها المحتلون من قوى الطغيان العالمي ، يكون فيها من حركات الجهاد والمقاومة ــ كما في حركات الإصلاح والدعوة ـ من فيهم ما في الأمـّة من النقص ، والجهل ، والإنحراف بتأويل ، أو هوى ، كما يكون فيهم المخلصون ، والصادقون ، وأهل الغيرة على الأمة ،ودينهـا ـ كما كان في الجهاد الافغاني ضد الاتحاد السوفيتي وفي غالـب رايات الجهـاد من قرون ـ ولكن الواجب السعي لإبقاء رايات الجهاد ماضية نحو هدفها الأسمى ، وهو تخليص البلاد من النازلة الأخطــر ، والدعوة إلى تأجيل الخلافات الأخرى ، وإلى تخفيفها ، والكـفّ عــن تأجيجها ،
وإلى الحض على إصلاح ذات البين ، وتوجيه الجهود كلّها إلى نحر العـدوّ لطرده ، فإنّ خطـر مكــــره ، وعاقبة بقاءه سائـراً نحو أهدافه ، أعظـم من كلّ انحراف فيمن يقاومه ، وقد اتفق العلماء على أن الضرر الأكـبر يجب تقديم درءه حتى لو أُرتكب في سبيل ذلك الضرر الأدنى ، وأنّ المفسدة الأدنى يتغاضى عنها في سبيل تحقيق المصلحة الأعـلى في حال التزاحـم.
ونكرر دعوتنا لفصائل الجهاد في العراق بالتوحد ، والتقارب ، ونبذ الخلافات ، وتوجيه الحراب إلى العدوّ المحتــل ، والتركيز على الخطـر الأكبــر ، وإعادة الروح إلى الجهاد ، فهم جميعـا رايات جهاد إن شاء الله تعالى ، وهم جميعا من أهل الخيـر ، ومن هذه الأمـّة الخيـّرة المرحومـة .
ونبشّـر الناس أنّ المشروع الصهيوصليبي في إدبار ،
والأمـّة في إقبال ،
وأنّ الصحوة الإسلامـية تجتاح الشعوب الإسلاميـة ، مشرقة ، براقة ، مباركـة .
والنهضـة قادمة لامحالـة ، وأنّ أمتـنا ستنتصـر ، وكلّ رجالها الذين نهضوا لنصرها ، محفوظة مكانتهم في قلوبنـا ، لايغـيـّر ذلك شيء ، سواء من أساء إلينا ، ومن أحسـن .
كما كلّ الحركات الجهادية ، والدعويـة .
وما في القلوب من حظوظ النفس ونزغات الشيطان ، بين المصلحين ، والجماعات ، هو أمـر معجونٌ في طينة البشـر ، وقوعـه معهود ، وصدوره حتى من الأفاضل موجـود ، ولكنّ في النهايـة سيجرفه ـ إن شاء الله ـ سيل النهضة العـرم ، ونهر النصـر المنهـدر ، فيذهـب كما الرماد في يوم اشتدت به الريح .
وستشـرق شمس الإسلام فيبدد ضوؤها كل الظلمات .
فدعوها فإنها مأمـورة ..
تسيـر نحـو نصرهـا ، ناصيتها بيد الله تعالى
هذا ،، نسأل الله تعالى أن يجميع رايات الجهاد المبارك على الخير والبركة ، وأن يرزقهم البصيرة في الدين ، والرحمة والذلّ للمسلمين كما هم أعزة على الكافرين ، وأن يؤلّف بين قلوبهم ، في مشروع يقرب بينهم ، يتعاونون فيه على اتفقوا عليه ، ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه ، حتى يمكّن الله لهـم في الأرض، ويستخلفهـم كما استخلف الذين من قبلهـم ويبدل خوفهم أمنا .
اللهم اكبت عدوّنا ، وعجّل بنصرنا ، وأظهـر أمننا ، واحفظ ديننا ، وأجمع أمّتنا ، وطهـّر بلادنا من الغاصبين ، وردّ إلينا أقصانا ، وأحسن عاقبتنا في الأمـور كلّها يارب العالمين
اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد النبيّ الامي وعلى آله وصحبه أجمعين
آمين ، آمين ، آمين
|