السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 6994 السؤال: شبهة في الاختلاط؟
جواب الشيخ: السؤال:
فضيلة الشيخ ثمة من قول إنه لايوجد نص يحرم الاختلاط فلماذا تحرمونه ، مع انه كان موجودا في عهد النبوة في المسجد ، وفي الحج ، وغير ذلك حتى كن يخرجن مع الرجال في الجهاد ، فما الجواب ؟
**************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعـد :
هذه المسألة التي يكثر حولها الجدل ، ترجـع إلى أربع قواعد شرعيّـة : ـ
كل مالم يرد فيه نص ، فهو من قبيل المباح ، مالم يفـض إلى محرم فيأخذ حكمه.
إذا تعذّر توفير الضوابط التي تمنع اقتران الحرام الذي مفسدته أعظم ، بالمباح ، فإنه يُمنع سدا للذريعــة.
الأمور تتبيّن بعواقبها ، فالخير في موضعه عواقبه الرشد أبدا ، والشر عواقبه الغيّ.
كلّ ما كان الأمر أشـدّ ضررا على المجتمع ، كان الاحتراز منه أوجب ، ومحاربته ينبغي أن تكون أشــدّ.
أما القاعدة الأولى ، فكما نص الفقهاء على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمــراً.
وأمــاالثانية ، فكما ذكر الفقهاء تحريم بيع السلاح وقت الفتنة ، لأنه حتى لو زُجـر الناس عن قتل المسلم ، فلايمكن ضبط ذلك والناس في حال الفتنة ، فيُفتى بتحريمه مطلقا .
أما الثالثة ، فدلت عليها نصوص كثيرة جدا، فالله تعالى جعل عاقبة طاعته خيرا ، (هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) ، وجعل عاقبة معصيته الخسران المبين : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) .
فإذا تبين أن عاقبة الأمر السوء ، فهو معصية لله ، والضد بالضد .
أما الرابعة فكما نرى نصوص القرآن السنة شددت في التحذير من مداخل الشرك ، والقتل ، والزنا ، وهي أعظم ثلاث جرائم.
فحرمت الشريعة كل ذرائع الشرك : كالصلاة في المقابر ، وتعليق التمائم وغيرها حتى تلك التي في الألفاظ كقول القائل ماشاء الله وشئت ، والحلف بغير الله .. إلخ.
كما حرمت الشريعة في صيانة دم المسلم ، كلّ الطرق المفضية إلى الاستهانة به ، فحرمت حتى سباب المسلم ، وترويعه ، سدا لكل طرق العدوان التي قد تفضي إلى القتل ، أو الإستهانة بدم المسلم .
وفي الذرائع المفضية إلى الزنا ، حرمت على المرأة الخلوة مع الرجل ، والتعطّر أمام الرجال، والسفر بغير محرم ، وأمرتها بالحجاب ، وأمرت بغض الأبصار ، ونهت المرأة عن الخضوع بالقول عند مخاطبة الرجل الأجنبي ، حتى لقد حرم عليها ضربها بخلخالها لتُعلم زينتها .
ولانجد مثل هذا الذرائع كثرة وتأكيدا في غير تلك الجرائم الثلاث.
ثـم إذا نظرنا إلى الاختلاط يبن الرجال والنساء من هذا المنظار الشرعي ،
وجدناه ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : اختلاط عابر ، في موضع لايخشى منه الفتنة ، في الغالـب ، كاشتغال الجمع بعبادة مثلا .
كصلاة النساء في المسجد خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم والطواف في الحج ..إلخ
ومثل الأماكن العامة التي يشق تخصيصها لأحد الجنسين .
والقسم الثاني اختلاط يفضي إلى الفتنة غالبا ، ولايمكن توفير ضوابط الاحتراز منها ، وعاقبته شرور واضحة ، وضرره على المجتمع بالغ السوء بشهادة الواقع المحسوس ، وذلك مثل الاختلاط في الدراسة ، وفي أماكن العمل ، حيث تمكث الفتاة ، أوالمرأة فترة طويلة بين الرجال ، في أجواء داعية إلى التعارف وتكوين العلاقات ، بماتقتضيه الجبلّـة الإنسانية ، من الإنجذاب الفطري بين الذكر والأنثى.
فلو قيل للشاب الذي يخالط الشابات في فصل دراسي طيلة أعوام الدراسة : لاتنظر إلى ما تشتهي نفسك النظر إليه من مفاتن المــرأة ، ولا تشتهي ما يشتهيه الرجل من المرأة ، ولا تحاول أن تتعرّف على من تعجبك منهـنّ، ولا تبني علاقة معها ، ولا تجعل نفسك تهــمّ بمحرم ، ويقول للفتاة مثل ذلك ، لكان من يقول مثل هذا للشباب، مع توفير أسباب الفتنة لهم : كمن يسعى في إفساد الناس وهو يأمرهم بالصـلاح ، والعفّــة !!
وهذا التناقض القبيح في العقل والمنطق لايمكن أن تأتي به الشريعة الكاملة.
حتى إن بعض الجهّال ، أفتى بجواز الاختلاط في الأعراس ، استدلالا بأن النساء كنّ يصلين ، خلف صفوف الرجال في عهد النبوة!!
مع أن النبي صلى الله عليه جعل صفوفهن بعيدا ، خلف الصبيان ، كما جعل مصلى النساء في العيد ، معزولا عن مصلى الرجال ، وجعل خير صفوفهن آخرها ،وشرّها أوّلها ، وكل ذلك لتخفيف الفتنة قدر المستطاع ، مع أنه في موضع العبادة ، فكيف بغيره ؟!!
وعلى أية حال فكل عاقل يعلم أن ثمة فرقا كبيرا بين القسم الأوّل، والثاني ، وأنّ الاستدلال بجواز الأول ، على جواز الثاني ، من قبيــل التلبيس ، والخلط ، وسوء الفهم .
وذلك كمثل من يستدل على جواز بيع السلاح في الأحوال العادية ، مع إمكان أن يُقتل بــه مسلم ، على جواز بيعه في فتنة بين المسلمين يقتل بعضهم بعضها !
ولا يخفى على عاقل متجـرّد من الهوى ، أن الاختلاط ـ من القسم الثاني ـ مفضٍ إلى فساد عريض ، وهاهي المجتمعات التي ينتشر فيها هذا الاختلاط، تعاني ما تعانيه من الآثار المدمـّرة لإنتشار الزنى ، والعلاقات المحرمة بين الجنسين .
هذا ،، مع أنه من الناس من يكون في حال الضرورة ، فيباح له ، أولهـا ، الدراسة أو العمل في أماكن مختلطة ، على قدر الضرورة ، وهذه الإباحة الطارئة ، لاتدلّ على جواز إنشاء الاختلاط المفضي إلى الفتنة ابتداءً ،
كما أن القاعدة الفقهية التي تنص على أن حكم التبع ، يختلف عن حكم الاستقلال ، وحكم الدوام يختلف عن حكم الابتداء ، يجري العمل بها هنا أيضا ،، والله أعلم. |