السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 11345 السؤال: حول الخروج على الحاكم ؟
جواب الشيخ: السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله:
الى اخينا الشيخ حامد العلي جزاك الله خيرا وثبتك على الحق
ارجو ايضاح مسالة الخروج على الحاكم الكافر كفرا بواحا مثل الحكام المبدلين لشريعة الله عز وجل بالقوانين الوضعية وما مدى ارتباط الخروج على الحاكم بتكفيره؟ واذا ثبت كفره فما واجب الشباب نحو ذلك , وهل يصح الخروج على الحاكم الظالم - وليس الكافر- وكيف نفهم على ضوء هذا خروج عبد الله بن الزبير على الخليفة الاموي ؟
**********************
جواب الشيخ:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، قد وردت عدة أحاديث تبين حكم الخروج على الحاكم :
ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه :
قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان .
قال ابن حجر في فتح الباري :
قوله ( إلا أن تروا كفرا بواحا ).
بموحدة ومهملة .
قال الخطابي : معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره .
ثم قال : وقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا , بصاد مهملة مضمومة ثم راء .
ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة " إلا أن يكون معصية لله بواحا " .
وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " ما لم يأمروك بإثم بواحا " .
وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة " سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون , فلا طاعة لمن عصى الله " .
وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة " .
--------------
قوله ( عندكم من الله فيه برهان ) .
أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل .
ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل .
قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية , ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام .
فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى .
وقال غيره : المراد بالإثم هنا المعصية والكفر , فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر .
والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر .
وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية .
فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف .
ثم قال : ونقل ابن التين عن الداودي قال : الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب , وإلا فالواجب الصبر .
وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء , فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه , والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه ) انتهى ما ذكره هنا في شرح هذا الحديث .
*************
وقال عند شرح حديث : عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قال
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم
قال ابن حجر :
وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا " سيكون أمراء فيعرفون وينكرون , فمن كره برئ ومن أنكر سلم , ولكن من رضي وتابع ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا , ما صلوا " .
ومن حديث عوف بن مالك رفعه في حديث في هذا المعنى " قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال : لا , ما أقاموا الصلاة " .
وفي رواية له " بالسيف " .
وزاد " وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " .
وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال " أتاني جبريل فقال : إن أمتك مفتتنة من بعدك , فقلت : من أين ؟ قال : من قبل أمرائهم وقرائهم , بمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون , ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون . قلت : فكيف يسلم من سلم منهم ؟ قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه " .
===========
والحاصل أن الحاكم إن تولى كافرا أو ارتد وجب الخروج عليه لنزعه ، ونصب حاكم مسلم يحكم بالشريعة إن قدر المسلمون على ذلك .
وأما إن كان ظالما فاجرا ولم يأت بما يوجــب الردة، فينظر إن أمكن تقويمه بوسائل سلمية بإلزامه بنظام يجعل سلطته مقيدة بالرقابة والمساءله كما في النظم الحديثة ، فهذا هو الواجب .
وإن لم يمكن إلا بالقوة ـ الثورة المسلحة لقلب نظام الحكم ـ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جوره وظلمه ، وعدم منازعته الامر ، لان في منازعته حدوث الفتن ، وتمزيق وحدة الامة ، وسفك الدماء ، وهذا منكر أكبر من منكر فجوره وظلمه .
وعلى المسلمين حينئذ أن يسعوا في بدائل أخرى سلمية تمنع الظلم ، وقد ذكرت طائفة منها في رسالة ( الحسبة على الحاكم ووسائلها في الشريعة الإسلامية ) وهي في ركن المكتبة .
هذا خلاصة القول في هذا الباب .
وأما خروج عبدالله بن الزبير رضي الله عنه ، فقد كان مذهب بعض السلف هو الخروج على حكام الظلم والجور لمنع ظلمهم وجورهم بالسلاح ، ولكن كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
( وهذا مذهب للسلف قديم ، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشد منه ) تهذيب التهذيب 2/288
هذا وقد حكى ابن حزم عن كثير من الصحابة والتابعين والائمة أن مذهبهم كان جواز منع ظلم السلطة بالقوة ، قال رحمه الله تعالى : ( وهو قول عبدالله بن الزبير ومحمد بن الحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين والانصار القائمين يوم الحرة رضي الله عنهم اجمعين ، وقول كل من قام على الفاسق الحجاج من الصحابة كأنس بن مالك ، وكل من ذكرنا من أفاضل التابعين ، ومن بعدهم عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عمر ، ومحمد بن عجلان ، ومن خرج مع محمد بن عبدالله بن الحسن ، وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع ابراهيم بن عبدالله ، وهو الذي تدل عليها أقوال الفقهاء .. ) الفصل لان حزم 4/ 171ـ 172
غير أن الصحيح هو ماذكرناه من عدم جواز منازعة السلطة بالسلاح إذا لم يبلغ الامر إلى الكفر البواح الذي لنا من الله عليه برهان ، وقد وردت أحاديث كثيرة جدا تدل على الصبر على ظلم السلطة وعدم اللجوء إلى الخروج عليها بالسلاح ـ الثورة المسلحة ـ ولهذا قال العلماء : إمام غشوم خير من فتنة تدوم ، ومائة سنة بإمام جائر ، خير من يوم بلا إمام .
فإن بلغ الامر إلى الكفر البواح ، فإزاحة السلطة مع القدرة فرض بالإجماع عند أهل السنة خلافا لبعض الفرض الضالة ، ويسقط بالعجز كما تسقط سائر التكاليف . والواجب على العلماء أن يجعلوا الحاكم ، على دراية تامة ، بالحد الفاصل بين التجاوزات التي لاتبلغ الكفر الموجب لنزع يد الطاعــــة ، وتلك التي تعد في الاسلام خطا أحمر ، توجب على الأمة إزاحته ، ويفقد شرعية ولايتــه ، حتى يكون ذلك رادعا له أن يضل الامة ، فيسوقها إلى دكادك النار . لا أن يرقّعوا لــه كلما ولج بابا من أبواب الكفر ، فيحدثون له تقسيمات جديدة لما يوجب الكفر ، تقسيمات محدثة لتوافق حاله ، كأن ولايته هي الأًصل الذي يجب أن يرجع الشرع إليه ! كما يفعل أهل الحيل الفقهية ، ثم إذا ضاقت عليهم الحيل ، واتسع الخرق على الراقع ، انتقلوا حينئذ إلى أقوال المرجئة ، فألبسوها إياه ، ولسان حالهم يقول : افعل ماشئت مادمت تقول إنك مسلــم ، فهؤلاء هم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان خرجه ابن حبان والبزار من حديث عمران رضي الله عنه ، والله أعلم
|