|
مميز: لقد قامت إدارة تويتر (X) بإيقاف حساب الشيخ في تويتر hamed_alali
وهذا عنوان حسابه الجديد
hamedalalinew |
|
السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 6730 السؤال: هل تمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته
جواب الشيخ: السؤال:
ذكر بعض الناس في أحد المنتديات أن النبي صلى الله عليه وسلم من الممكن رأيته يقظته بعد موته فيتمثل كرامة لبعض الصالحين ، ما ردكم
*********************
جواب الشيخ:
الرد على من زعم إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته
حامد بن عبد الله العلي
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
اعتقاد أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ممكنة في اليقظة ، إعتقاد باطل ، مناقض للقرآن والسنة ، قال تعالى ( إنك ميّت وإنهم ميّتون ) وقال تعالــــــــى ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن متّ فهم الخالدون ).
ومعلوم أن المقصود بالموت في هذه الآية ، هو مفارقة الروح والجسد ، مفارقة نهائية من غير عودة إلى الدنيا ، ولذلك فإن عيسى عليه السلام لم يمت ، فأمكن أن يعود في آخر الزمان ، ولو كان عليه السلام قد مات ، امتنع أن يعود إلى الدنيا ، كم في سنن ابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال :
لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك قلت بلى قال ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن عني فأقتل فيك ثانية قال إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله عز وجل هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا الآية كلها .
وقد رواه الترمذي أيضا وفي بعض ألفاظه أختلاف .
وقد دل الحديث على أن الله تعالى ، قد سبقت كلمته أنه لا يعيد الأموات إلى الحياة الدنيا ، وقــد كتب ذلك على جميع الخلق كما جــــاء في لفظ الحديث ( إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون )ـ
فمن اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعود حيا إلى الدنيا ، كحياتنا ويمكن لبعض الناس أن يراه يقظة ، فهو مبطل يعارض القرآن والسنة ، وهو قول مبتدع لم يعرف في القرون المفضلة الأولى ، ولم يدع أحد من الصحابة ولا أئمة التابعين وأتباعهم من الأئمة والعلماء والشيوخ الثقاة المشهورين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة .
وإنما جاءت هذه الدعاوى الباطلة بعد ذلك ، وكثرت عند المتصوفة ، ولم يأتوا بدليل من الكتاب والسنة ، أو قول أحد الصحابة الكرام رضي الله عنه ، وغاية ما يستدلون به منامات ، وحكايات ، وقول بعض الذين غلطوا في هذه المسألة ، ومعلوم أن إثبات هذا الأمر ، لا يكون إلا بالأدلة الشرعية ، ومعلوم أن الأدلة الشرعية تناقض هذه العقيدة مناقضة تامة كما تقدم.
وهذا وقد استدل الزاعمون إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته : بحديث البخاري عن أبي هريرة قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ) .
وقدر ذكر الإمام ابن حجر رحمه الله قول من زعم أن الحديث يدل على ذلك ، وأجاب بقوله :
قلت : وهذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ـ يعني الذين رأوه في المنام وسيرونه حتما في اليقظة ـ ولأمكن بقـاء الصحبـــــــة
إلى يوم القيامة , ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة ، وخبر الصادق لا يتخلف , وقد اشتد إنكار القرطبي على من قال من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة .
ومعنى الحديث أنه خاص بأهل عصره صلى الله عليه وسلم ، من رآه منهم في حياته في المنام ، فإن هذه بشرى له ، بأنه سيراه في اليقظة أيضا ، وبهذا المعنى وحده ، يجاب عن كل الاشكالات التي ذكرها ابن حجر آنفا .
كما استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وكذلك الأنبياء ، وقد وردت في ذلك أحاديث صحاح ، فما المانع أن يظهر النبي صلى الله عليه وسلم لمن شاء الله أن يكرمه برؤيته يقظة .
والجواب : أن الموت يعني مفارقة الروح للجسد ، وانتقالها إلى عالم البرزخ ، وهذا عام في الأنبياء وغيرهم ، حتى الكفار يعذبون في قبورهم فهم أحياء ، حياة برزخية ، كما قال تعالى ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) .
كذلك المؤمنون أحياء في قبورهم ، ويجعل قبر المؤمن له روضة من رياض الجنة ، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ، غير أن الأنبياء لهم أكمل الحياة وأعلاها في عالم البرزخ .
وعلم بذلك أن كون الأنبياء أحياء ، لايعني أن حياتهم كحياة أهل الدنيا ، وحينئذ فرجوعهم إلى الدنيا وظهورهم فيها ، مناقض لظاهر القرآن والسنة ، وعلى من زعم أن ذلك ممكن أن يأتي بما يدل عليه من نصوص الشرع ، ثم عليه أيضا أن يوفق بين ما دل على امتناعه ، وما أتى به هو مما يدل على إمكانه ، وهيهات ، فليس في الكتاب ، ولا في السنة ، ولاعن الصحابة رضي الله عنه ما يدل على إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته .
واستدلوا أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأنبياء عليهم السلام وقد ماتوا قبله ، رآهم ليلة الإسراء ، وصلى بهم إماما .
الجواب أنه صلى الله عليه وسلم مثلت له أرواحهم في صورة أجسادهم ، كما مثلت له أيضا في السموات في المعراج كما في الصحيحين وغيرهما .
فإن زعم زاعم من المخرفين ، أنه كذلك قد مثلت له يقظة لا مناما روح النبي محمد صلى الله عليه وسلم في صورة جسده ، وحضرت عنده .
فالجواب أن هذه الدعوى لمّا لم ينسبها الصحابة الكرام لانفسهم قط ، مع أنهم أكرم الناس على الله بعد الرسل ، وأقربهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهم به ، وقد مرت بهم أحوال ، كانوا أحوج ما يكونون إلى أن يتمثل لهم صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، فيخبرهم بما يحتاجونه ، أو يهديهم إلى ما يختلفون فيه ،فلمّا لم يحصل لهم ذلك ، علمنا أن من يدعيه بعدهم :
إما كاذب أشر .
أو جاهل تمثلت له الشياطين فصدقها فيما زعمت .
أو مخبول العقل يتخيل ما ليس له حقيقة .
وقد فتح هؤلاء المتهوكون ، بهذه العقيدة الباطلة ، أعنى زعم إمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته ، فتحوا الباب إلى حدوث كثير من البدع ، بل إلى ظهور الزندقة والإلحاد ، وانتشرت هذه الخرافة في المتصوّفة ، حتى ادّعى بعض مشايخ الطرق ، أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذوا منه الطريقة ، وألبسهم خرقتها ، وعلمهم أذكارها .
وتنافسوا في هذا الكذب والدجل ، فادعى زعيم كل فرقة ، أنه أخذها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة يقظة لا مناما ، ليخدع بذلك ضعاف العقول ، ويروون للطغام من هذا الإفك ، ما هو من أكذب الكذب في المنقول ، وأجهل الجهل في المعقول ، فأفسدوا على المسلمين دينهم في الفروع والأصول .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى كلاما مهما في هذا الباب ، رأيت أن أسوق منه ما يتعلق بهذه المسألة مما فيه نفع عظيم بإذن الله تعالى لمن اشتبهت عليه ، قال :
(وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ كَمَا أَضَلَّ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ أَوْ جَهِلُوا السُّنَّةَ أَوْ رَأَوْا وَسَمِعُوا أُمُورًا مِنْ الْخَوَارِقِ فَظَنُّوهَا مِنْ جِنْسِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَكَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ الشَّيَاطِينِ .
كَمَا أَضَلَّ النَّصَارَى وَأَهْلَ الْبِدَعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ . فَهُمْ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ ،وَكَذَلِكَ يَتَمَسَّكُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ فَيَسْمَعُ وَيَرَى أُمُورًا فَيَظُنُّ أَنَّهُ رَحْمَانِيٌّ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانِيٌّ وَيَدَعُونَ الْبَيِّنَ الْحَقَّ الذي لاإجمال فيه.
وَكَذَلِكَ لَمْ يَطْمَعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِهِ وَيُغِيثَ مَنْ اسْتَغَاثَ بِهِ . أَوْ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِمْ صَوْتًا يُشْبِهُ صَوْتَهُ . لِأَنَّ الَّذِينَ رَأَوْهُ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا شِرْكٌ لا يَحِلُّ . وَلِهَذَا أَيْضًا لَمْ يَطْمَعْ فِيهِمْ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِأَصْحَابِهِ : إذَا كَانَتْ لَكُمْ حَاجَةٌ فَتَعَالَوْا إلَى قَبْرِي وَاسْتُغِيثُوا بِي لَا فِي مَحْيَاهُ وَلَا فِي مَمَاتِهِ كَمَا جَرَى مِثْلُ هَذَا لِكَثِيرِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ .
وَلا طَمِعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَهُمْ وَيَقُولَ : أَنَا مِنْ رِجَالِ الْغَيْبِ أَوْ مِنْ الأوتاد الاَرْبَعَةِ أَوْ السَّبْعَةِ أَوْ الأربعين . أَوْ يَقُولَ لَهُ : أَنْتَ مِنْهُمْ . إذْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ .
وَلا طَمِعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَهُمْ فَيَقُولَ : أَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ يُخَاطِبَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ وَقَبْرِ غَيْرِهِ وَعِنْدَ غَيْرِ الْقُبُورِ
. كَمَا يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ يَرَوْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ شُيُوخِهِمْ . فَأَهْلُ الْهِنْدِ يَرَوْنَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ شُيُوخِهِمْ الْكُفَّارِ وَغَيْرِهِمْ .
وَالنَّصَارَى يَرَوْنَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ مِنْ الأنبياء وَالْحَوَارِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ . وَالضُّلالُ مَنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ يَرَوْنَ مَنْ يُعَظِّمُونَهُ : إمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَقَظَةً وَيُخَاطِبُهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُ .
وَقَدْ يَسْتَفْتُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ عَنْ أَحَادِيثَ فَيُجِيبُهُمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّ الْحُجْرَةَ قَدْ انْشَقَّتْ وَخَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَانَقَهُ هُوَ وَصَاحِبَاهُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلَامِ حَتَّى وَصَلَ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ . وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ أَعْرِفُ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ هَذَا وَأَشْبَاهَهُ عَدَدًا كَثِيرًا .
وَقَدْ حَدَّثَنِي بِمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ الصَّادِقِينَ مَنْ يَطُولُ هَذَا الْمَوْضِعُ بِذِكْرِهِمْ .
وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَ خَلْقٍ كَثِيرٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُكَذِّبُ بِهَذَا وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ إذَا صَدَّقَ بِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ الآيات الإلهية وَأَنَّ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ رَآهُ لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ .
وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ بِحَسَبِ قِلَّةِ عِلْمِ الرَّجُلِ يُضِلُّهُ الشَّيْطَانُ . وَمَنْ كَانَ أَقَلَّ عِلْمًا قَالَ لَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ خِلافًا ظَاهِرًا . وَمَنْ عِنْدِهِ عِلْمٌ مِنْهَا لا يَقُولُ لَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ ولا مفيدا فَائِدَةً فِي دِينِهِ .
بَلْ يُضِلُّهُ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَعْرِفُهُ فَإِنَّ هَذَا فِعْلُ الشَّيَاطِينِ وَهُوَ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ اسْتَفَادَ شَيْئًا فَاَلَّذِي خَسِرَهُ مِنْ دِينِهِ أَكْثَرُ .
وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ : إنَّ الْخَضِرَ أَتَاهُ وَلا مُوسَى وَلا عِيسَى وَلا أَنَّهُ سَمِعَ رَدَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ . وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّهُ يَسْمَعُ الرَّدَّ .
وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ . وَإِنَّمَا حَدَثَ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ . وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَأْتِيهِ فَيَسْأَلُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ عَنْ بَعْضِ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ لَا خُلَفَاؤُهُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ .
مَعَ أَنَّهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقُولَ لَهَا : اذْهَبِي إلَى قَبْرِهِ فَسَلِيهِ هَلْ يُورَثُ أَمْ لَا يُورَثُ . كَمَا أَنَّهُمْ أَيْضًا لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ فَيَقُولُ لَهُمْ : اُطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَكُمْ بِالْمَطَرِ لَمَّا أَجْدَبُوا .
وَلا قَالَ : اُطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ لَكُمْ . وَلا أَنْ يَسْتَغْفِرَ كَمَا كَانُوا فِي حَيَاتِهِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ وَأَنْ يَسْتَنْصِرَ لَهُمْ فَلَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ ذَلِكَ . وَلَا طَمِعَ بِذَلِكَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ .
وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الضَّلالاتُ مِمَّنْ قَلَّ عِلْمُهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ فَأَضَلَّهُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَضَلَّ النَّصَارَى فِي أُمُورٍ لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِكَ لَمْ يَطْمَعْ الشَّيْطَانُ أَنْ يَطِيرَ بِأَحَدِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَلَا أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الْأَرْضَ الْبَعِيدَةَ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ .
كَمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا لِكَثِيرِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ; لانَّ الأسفار الَّتِي كَانُوا يسافرونها كَانَتْ طَاعَاتٍ كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ وَهَذِهِ يُثَابُونَ عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُونَهَا فِيهِ وَكُلَّمَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ كَانَ الْأَجْرُ أَعْظَمَ : كَاَلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ فَخُطُوَاتُهُ إحْدَاهَا تَرْفَعُ دَرَجَةً وَالْأُخْرَى تَحُطُّ خَطِيئَةً .
فَلَمْ يُمْكِنْ الشَّيْطَانَ أَنْ يُفَوِّتَهُمْ ذَلِكَ الْأَجْرَ بِأَنْ يَحْمِلَهُمْ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَؤُزَّهُمْ فِي الأرض أَزًّا حَتَّى يَقْطَعُوا الْمَسَافَةَ الْبَعِيدَةَ بِسُرْعَةِ . وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَسْرَى بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِيُرِيَهُ مِنْ آيَاتِهِ الْكُبْرَى . وَكَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ .
فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُ مِثْلُ هَذَا الْمِعْرَاجِ وَلَكِنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ إلَيْهِ مَعَارِيجَ شَيْطَانِيَّةً كَمَا خَيَّلَهَا لِجَمَاعَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ . وَأَمَّا قَطْعُ النَّهْرِ الْكَبِيرِ بِالسَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ فَهَذَا قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ أَحْيَانًا مِثْلُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُمْ الْعُبُورُ إلَى الْعَدُوِّ وَتَكْمِيلُ الْجِهَادِ إلَّا بِذَلِكَ .
فَلِهَذَا كَانَ اللَّهُ يُكْرِمُ مَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَمَا أَكْرَمَ بِهِ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَصْحَابَهُ وَأَبَا مُسْلِمٍ الخولاني وَأَصْحَابَهُ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا الْكِتَابِ .
لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الصَّحَابَةَ خَيْرُ الْقُرُونِ وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ . فَمَا ظَهَرَ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَهِيَ نَقِيصَةٌ لَا فَضِيلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْ جِنْسِ الْعُلُومِ أَوْ مَنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْخَوَارِقِ وَالْآيَاتِ أَوْ مِنْ جِنْسِ السِّيَاسَةِ وَالْمُلْكِ .
بَلْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَهُمْ أَتْبَعُهُمْ لَهُمْ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْحَيَّ لا تؤمن عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا . قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ . وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ ) انتهى المقصود نقله من كلامه.
|
|
|