السائل: زائر التاريخ: 07/07/2011 عدد القراء: 17924 السؤال: سؤال عن مشاغبات الطائفة الإنبطاحية ؟!!
جواب الشيخ: فضيلة الشيخ ما الرد على هذه الطائفة الإنبطاحية التي لم تزل تؤذي علماءنا ، وصالحينا ، ودعاتنا ، بالكلام القبيح ، وأخيرا آذت شعوبنا المستضعفة ، التي عانت من الظلم ، والطغيان ، الكثير الكثير ، فلما قامت الشعوب سلميا _ ومن غير سـلاح ولا سفك دماء _ لرفع المظالم عنها ، ولقول كلمة الحق في وجه الظلمة ، بنية التخلص من الظلم الفادح عليها ، قالت هذه الطائفة الإنبطاحية _ حسب كلام أحدهـم في نقاش معي عن الثورة المصرية خاصة _ : ( من يصف قتلاهم بالشهداء فهو يغرر بهم !! وهؤلاء قاموا لبعض المطالب لتحسين أوضاعهم فقط !! وزيادة رواتبهم !! والمشاركة السياسية ، فلا تغرروا بهم ، بأحاديث الشهادة !! وهل يعقـل أنه لايوجد حاكم ظالم أصلا ؟!! .. ) وأخذ يهذي بكلام مثل هذا الكـلام ؟
ـــــ
الحمد لله ، والصلاة ، والسلام ، على نبيـّنا محمّد ، وعلى آله ، وصحبه ، وبعد :
فإنَّ هذا الكلام القبيح يخالف النصوص مخالفة واضحة ، وهو في غاية الفسـاد ، والبطلان ، فضلا عمـّا فـيه ، من الإرجاف ، والتثبيط عن نصرة الدين ، وعن مقاومة الطغيان ، الذي هـو من أفضـل الجهاد ، بنص المبعوث بالهدى ، والرشـاد .
ولاريب أنّ من اتهم واصف الذين يُقتلـون دون مظالمهم بالشهداء _ كما في الثورات العربية _ بأنـَّه يُغـرِّر بهـم ، فإنّ ذلك يلـزم منه إتهـام النبيَّ صلـى الله عليه وسلَّم أيضا بالتغريـر بمن يقوم في وجـه الظلم ، عندما وصفه بالشهـيد ، ولو بكلمة حـقِّ واحـدة ، يقولها فيُقتـل بسببها ، مع أنـّها ربما لا يحصل بها تغيـير لواقع الظـلم !
وكـذا يجـري هذا أيضـا على كـلّ النصوص التي تحـرّض غاية التحريض ، على الموت دون المال ، والنفس ، والعرض ، وتجعل ذلك بمنزلة الموت دون الدين ، في سياق واحـد ، يسـوِّي بينهم في نيـل الشهـادة .
وفيما يلي بعض ما ورد من النصوص في هذا الباب الجليـل :
قال صلى الله عليه وسلم : ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره ، و نهاه ، فقتله ) رواه الضياء في المختارة
وقـد صار شهيـداً هنا ، لأنـّه في أعظم الجهـاد ، مع أنه لم يقتل في معركـة ، ولاريـب أنَّ شهادته حقيقة ، رغـم أنف أعـوان الظـلمة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أحبُّ الجهاد إلى الله كلمة حقّ تقال لإمام جائر ) رواه أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، وفي رواية ( أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر ) ، وللترمذي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه : ( إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )
كما قال صلى الله عليه وسلـم : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيـد ) ، رواه أصحاب السنن إلاّ ابن ماجة ،
وللنسائي ، وأحمد : ( من قتل دون مظلمته فهو شهيد ).
ولعمـري ما أقبـح هذا التـلازم الذي يقتضـيه كلام المتكـلِّم الذي ورد ذكـره في سؤال السائـل ، ما أقبـحه وأفجـّه ، وما أعظـم مـا ينبو عنـه سمع المؤمـن ، ويمجـّه !!
هـذا .. وينبغي أن يعلم أنَّ الشعب المصري البطل العظيم ، كانت هبته ضـدّ أطغـى الطغاة ، وفرعون العصر ، وحامي الصهاينة ، ومصدِّر الغاز لهم ، ومحارب المقاومة في فلسطين ، ومعلن الحـرب على الدين ، ومعاند ربِّ العالمين ،
وكانت المظالم التي على شعب مصر ، لاتوصف بشاعة ، ولا تنعت شناعة ، وأعظمها كانت المظالم الدينية ، من التحريض ضد التديـّن ، وملاحقة المتدينين ، وسجنهم ، وإعتقالهم ، وتعذيبهـم أشد التعذيـب ، وإجبارهم على قول كلمة الكفـر ، وأفعال الكفر مثل السجود لصورة الطاغية في السـجون ، وغيـر ذلك ، وتشويه صورة الصالحيـن ، والتضييق على المحجبات .. إلخ
أما المظالم الدنيوية فقد أوردت الشعـب المصـري المهالك ، وبلغت بهم أضيق المسالك ، مما يضيق المقام عن وصفه ، ويعجز اللسان عن نعتـه .
وفوق ذلك كلـّه ما جناه الطاغيـة المخلـوع على الأمـّة ، من التآمر مع التحالف الصهيوغربي ضد الأمـّة الإسلاميـّة في أعظـم قضاياها ، حتى سلّطهم على المناهج الدينية في مصر ليتحكَّموا فيها ، فضلا عن تمكينهم من مقدرات مصر ، وثروتها _ بينما شعبها يموت من الجوع ، والأمراض ، والفقـر _ ليسخّـروها لمخططاتهم .
ومع ذلك فقـد كان نهوض الشعب المصري نهوضا سلميـّا ، سلكوا فيه سبيل المصلحين في مواجهة المفسدين ، والمقسطين في مواجهـة الطغاة الظالمين ، يكبرون الله تعالى ، ويصـلُّون ، ويستعينون بالله تعالى ، ويدعـون ، حتى صارت صلاة الجمعة ، مجمعهـم المبارك ، الذي يجمعهـم ضد الظلم ، والظلمـة ، يجأرون فيها بالدعاء لربهـم ، ليحُسن خلاصهـم ، ويهلك فرعون وحزبه .
فنصرهم الله تعالى ، وأقـر أعينَهم بالظفـر بعـدوّهم ، عدوّ الله ، وعدوّ الإسلام ، والمسلمين ، وأذهـب الله غيظ قلوبهـم ، وشفى صدورهـم ، مما فيها من مرارة الظلم الذي استمر عليهم عقودا ، سامهم فيها سـوء العـذاب .
وأخـزى الله تعالى عدوَّهـم ، وألحـق به ، وأعوانـه ، الخزي والعار ، في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخـزى وهم لاينصـرون .
وأمـّا كون بعض من قام في الثـورة لايشمله ما وصف في الأحاديث المتقدمة ، فهذا لايؤثـر على إطلاق وصف الشهادة في الجملة ، على من سقط شهيـداً من جملة الشعب في نهوض عام ضد الطغيـان ، إذ كان شعار الثورة أنَّ الشعب يريد إسقاط الطاغيـة ، فالحكم للغالـب .
هذا .. ومعلوم أنَّ هذا النهوض الحضاري في شعوب أمتنا العظيمة ، ضد الظلم ، والطغيـان ، والفساد ، وتسليم مقدرات الأمّة لأعدائها ، والعبث بثرواتـها ، وسائر مكتسباتـها ، وإضعاف عوامـل قوتها ، وتسليط العدوّ عليها ، أنَّ هذا سيغيظ الطائفة الإنبطاحية ، فمـا هي إلاّ أحد وجوه أنظـمة الطغيـان ، فهـي تخشى على نفسها السقوط بسقوطه !
ولهـذا هـي لـم تـزل تسعى في تثبيط الأمـّة عن إبتـغاء سُبُـل العـزّة ، وإرتقـاء مدارج المجـد ، كلما همـّت بالنهوض ، أو عزمت على الجهاد .
أمن جُندِ الطغاة تريدُ عونـاً ** لقد منَّتـكَ نفسُكَ بالمحـالِ !
جباهٌ إنْ فديتَ بها نِعــالاً ** يـردُّ فداءَها أهـلُ النعـالِ
والله المستعان ، وهو حسبنا ، عليه توكّلنا ، وعليه فليتوكّل المتوكّـلون .
|