السائل: زائر التاريخ: 04/10/2010 عدد القراء: 10884 السؤال: الرد على رابطة علماء مجلس التعاون الخليجي ، فضيلة الشيخ ما رأيك في فتوى رابطة شيوخ الدين في التعاون الخليجي بـتأسيس مجلس أعلى يجمع علماء السنة و( مراجع الشيعة المعتمدة ) لمنع تكرار ما قاله زنديق لندن !
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فإنّ الأمّة الإسلامية في ظلّ تعرضها لتحدّ ضخم ، وخطيـر كالهجمة الصفوية التي تستهدف كلّ ثوابتها ، وتتحـرّك في إطار منظم ، ومؤيـّد بدعم لا محدود من أنظمة إقليمية ، تمتلك إمكانات هائلة لتنفيذ مخطـطّ بالـغ الخطـورة ، لو قُـدّر له أن ينجح ، فسيؤدي إلى كارثة لا تقارن بأي كارثة أخرى تمـرّ بهـا أمتنا ،
الأمـَّة الإسلامية في ظل تعرضها لهذا التحـدّي الضخم ، هي بحاجة إلى مواقف واضحة تكشف حقيقة العقيدة الصفوية الباطـلة التي تضـخّ التعبئة النفسية ، والثقافة الفكرية ، والروح المعنوية ، للمشروع التمدّدي الصفوي المستهدف لجميـع مقدرات الأمـة ، بل لشخصيّتها الحضـاريّـة.
ولا يخفى على من يعرف حقيقة العقيدة التي يقوم عليها مذهب ما يسمى بـ( المراجع المعتمدة ) ، أنَّ البلاء إنما هو فيها ، ومنها ، وأنَّ طامات هذه العقيدة الصفوية التي يعتمد عليها المشروع الصفوي المستهدف لأمتنا ، هي العمود الفقري لأهـم مصادرهم التراثية ، أعنـي التي قال عنها الكاشاني : ( إنّ مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة ، وهو المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها )
وقال عبد الحسين شرف الدين صاحب كتاب المراجعـات المليء بالأكاذيب والتلفيق : ( وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة ، التي هي مرجع الإمامية في أصولهم ، وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي : الكافي ، والتهذيب ، والإستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها ، والكافي أقدمها وأعظمها، وأحسنها ، وأتقنها ) . المراجعات ص 370
فالمصائب كلّهـا إنما هي في هذه الأربعة التي هي صانعـة ( المراجع المعتمـدة )!
ثم بعد هذه الأربعة القديمـة عندهم تأتي مراجع أخـرى _ العجيب أنها لم تدون إلاّ في القرن الحادي عشر الهجري _ وهي أربعـة أيضا : الوافي للكاشاني ، وبحار الأنوار للمجلسي ، ووسائل الشيعي للعاملي ، ومستدرك الوسائل للطبرسي.
وتلك المصادر الأربعة المتقدمة ، وهذه المتأخرة ، لايطلع عليها عالم بالهدى الذي جاء به سيد المرسلين ليبدد ظلمات الشرك ، ويقضي على ضلالات الخرافة ، إلاّ ويجدها هي أصل كلّ الشركيات ، ومنبع جميع الضلالات ، والأسس التي تقوم عليها كل العقائد الباطلة التي تهدم جميع ثوابت الإسلام .
فالطعن في القرآن ، وفي الصحابة ، وفي أمهات المؤمنين ، وتأسيس الغلوّ إلى درجة التأليه بالأئمة ، وتأجيـج العداء لأمة الإسلام _ ويسمونهم العامة أو المخالفين _ والتنكر لإنجازات الحضارة الإسلامية ، كلّ ذلك إنما يأخـذه المنتسبون لهذه العقيدة من تلك المراجع ، ويشربونه من تلك الكتب ، ويدرسونه في حوزات قم ، والنجف وغيرها من تلك المصادر لاغيرها .
والعجب أيضا في هذا المذهب الغريـب ، أنه من الناحية العلمية المحضة فليس ثمة منهج علمي ثابت يقوم عليـه ، ولهذا السبب _ فضلا عن كونـه من أصـول الفرق الضالة _ لم يرفع علماؤنا رأسا بـه حتى في ذكـر الخـلاف ، ولا كانوا ينقلون أقوالهم في كتب الخلاف المهمـّة التي تنقل مذاهب المختلفـين في الأحكام ، وإنما يذكر مذمومـا فحسـب في كتب الفرق ، والملل، والنحـل .
حتى جاءنا دعاة التقريب فخلطوا الأوراق بسبب الجهل بحقيقة هذا المذهب غالبا ولأسباب سياسية ، فأدخلوا على أمـّة الإسلام بلاء عظيما ، ومن بعض آثاره هذه الدعوة العجيـبة التي في سؤال السائل .
وأمـّا بيان أنـّه حتى من الناحية العلمية لا أساس له ، أنـه من جهة الرواية تجد العجب العجاب من الإنفلات ، والتناقض ، والخلل العجيـب فـي الروايات ، حتى قال الطوسي نفسه : ( لا يكاد يتفق خبر إلاّ وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلاّ وفي مقابلته ما ينافيه ) ، وأما معرفة حال رجال الأسانيد ، فأمر سيثير فيـك الدهشة إذا اطلعـت على النسبة الهائلة للرواة المجروحين _ عندهـم _ في أهم كتاب عندهم وهو الكافي ، كما بيـَّن ذلك العالم المهتدي إلى السنة آية الله البرقعي في كتابه المهم ( كسر الصنـم ) والذي فنـّد فيه كتاب الكافي بطريقة علمية حتى أطاح بأساسه .
ومن جهة الدراية فالأحاديث التي يروونها في كتبهم _ وعامتها كذب مفترى _ مع كونهـم لايفرقون فيها بين ما ينسبونه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وما ينسبونه إلى أئمتهم ، إذ لافرق عندهم في التلقّي ، والعصمة ، بين النبوّة ، وما يسمى الإمامة ، بل الإمامة لدى عامتهم أعلى من النبوة ! وهذا يعني سقوط كلِّ ما بني عليه دينهم من أساسه .
مع كونها كذلك هي مليئة بالخرافات التي تضحك منها العقول مثل حديث الحمار في الكافي الذي هو أصح الكتب عندهم : ( قال الإمام علي أنَّ عفيـراً حمار الرسول كلّم الرسول ، وقال له بأبي أنت وأمي يا رسول الله _ تأملوا صار الحمار هو فداء للنبيِّ صلى الله عليه وسلم _ إنّ أبي حدثني عن أبيه ، عن جده عن أبيه ، أنه كان مع نبيّ الله نوح في السفينة ، فمسح نوح على ظهره ، وقال يخرج من صلب هذا الحمار ، حمار يركبه سيد النبيين ، والحمدلله الذي جعلني ذلك الحمار .. ) !!
هذا مع أنَّ الكافـي هـو أكثر الكتب إشتمالا على عقيدة تحريف القرآن العظيم ، ففيه عن أبي جعفر قال : ( ما أدعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كلَّه إلاّ كذباَ ، ما جمعه ، وحفظه كما أنزله الله إلاّ علي ) ، وفي هذه الرواية تكذيب لكلّ الصحابة في جمعهم للقرآن الذي بين أيدينا إلى اليوم !! ودعوى صريحة بوقوع التحريف فيه .
وفيه أيضا عن أبي عبدالله قال : ( القرآن الذي أتى به جبريل سبعة عشر ألف آية ) أي ثلاثة أضعاف القرآن الذي عند المسلمين !!
والخلاصة أنَّ البلاء هو في الحقيقـة فيما يُسمَّى المراجع المعتمدة ، بل هي البلاء بعينه وذاتـه ، وليس ما قاله زنديق لندن إلاّ إيضاحا لعقيدتهم ، ومن أنكر منهم عليه ، إنما أنكر عليـه إظهاره المكنون ، وكشفه السرّ المصون قبـل أوانه .
وليس لأنـّه جاء بما يخالف ما تشتمل عليه مصادرهم ، وأوضح دليل على هذا أنهم يحرّمون حتى التسمية بإسم عائشة رضي الله عنها ، أشـدّ التحريــم ، قبّحهم الله ، وقبّح مذهبهم .
هذا .. والواجب على العلماء ، والدعـاة اليوم أن ينتبهـوا إلى أن الخطر الحقيقي ليس فيما قاله زنديق لندن شاتم الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحسب _ مع أنـَّه أيضـاً يمثـّل مؤسسة مدعومة بدعم هائـل _ حتى يقال : نجتمع مع مراجع الشيعة حتى لايتكـرر !! لأنـّه أصلاً يتكرر كـلَّ يوم في حوازتهم ، ويُدرس في مدارسهم ، وغاية في الأمر أَّن زنديق لندن سُلِّطت على جريمته وسائـل الإعلام ، فأثـارت ضجّـة ، و ( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيـرٌ لكم ) .
وإنما الخطر الحقيـقي في هذا الزحف الصفوي الآخذ بالإنتشـار ، والتوسّع ، في تهديد غير مسبوق لأمـّة الإسلام ، في أخطـر منطقة في العالم الإسلامي ، تملك مقوماته الإقتصادية ، ومقوماته الروحية أعني الحرمين الشريفين ، مستفيداً من إمكانات غير مسبوقة تملكها دول نفطية ، ومن ثورة العولمة .
وتدعمـه دول إقليمية كبـرى ، ويتحرّك في ضمن مخطط كبـير ، وفق مراحل مبرمجة ، ويُمـدَّ بكلِّ وسائل المكر ، والقوة ، ويتآمـر مع أعداء الإسلام ، وينفـذ إلـى نسيج المجتمعات الإسلامية _ لاسيما في الخليج _ وهـو يحمل خناجـر الغدر ، وسكاكين الأحقـاد.
وأنَّ التصدي لعقائده الباطـلة ، وبيان زيف دعوته ، من أعظـم فروض العصـر ، وأجـلّ واجبات الجهاد .
لاسيما على العلمـاء ، والدعـاة ، والمثقفـين .
أما المواقف غير الواضحة فهـي التي تزيد الأمر سوءا ، ويستفيد منها العدوّ في إستكمال مخطط مشروعه الخطيـر ،كما استفاد سابقا من دعاة التقريب فأوضع خلال الأمّة يبتغـي الفتنـة .
وختاما انصح إخواني العلماء ، والدعاة بقراءة متفحّصة لكتاب : ( محركات السياسة الإيرانية في منطقة الخليج العربـي ) ، للكاتب عادل علي عبدالله جزاه الله عنّـا كل خيـر ، تقديم الدكتور الخبير السياسي الفـذّ عبدالله النفيسي
والله أعـلم وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثـيرا .
|