السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 7109 السؤال: الكوارث الطبيعية ؟
جواب الشيخ: السؤال:
ياشيخنا الفاضل ان من الناس من يقول ان الكوارث الطبيعيه هي من غضب الطبيعه وليست من غضب الله وحدث يوم الاثنين عواصف رمليه في العراق ففسروها بانها من غضب
الطبيعه فكيف نرد على هؤلاء؟
****************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاةوالسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبـه أجمعين :
هذه المقولة منتشرة في وسائل الإعلام ، وهي لفظة شركيّة جاهليّة ، انتقلت من الإعلام الملحد إلى إعلام البلاد الإسلامية ، وكثيـر من المسلمــين قـد غــدا يقولوها بلا وعي لحقيقتها .
ومع أن كثيرا ما يُقصد بها التعبير المجازي ، غيـر أنها أصلا متفرعة عن مذهب دارون الإلحادي، وغيره من الملحدين المنكرين لوجود الله تعالى ، ولهذا فهم ينسبون إلى الطبيعة ما يحدُث في الحياة من الأحداث التي لاتكون بفعل الأحياء ، وهم في زعمهم هذا أجهل الخلق ، وأشدهم غباء لتناقضهم ، ذلك انهم لايعرفون أصــلا ماهيّـة الطبيعة التي ينسبون إليها الأفعــال ، وكيف تصدر منها أحداث مرتبطة بنواميس دقيقـة ، وينتج منها وجود أعيان الموجـــــودات ، وهي مـع ذلــك جماد ، فجعلوهــا مثل الأصنام التي هي حجارة ، أسماء لاحقيقة لها ، ومع ذلك تُعبـد وهـي لاتملك نفعا ولاضرا ، وهـم مثل عبدة تلك الأصنام بل أضـل سبيلا !
كما قال إبراهيم عليه السلام للذين نسبوا الحوادث في الأرض للكواكب وجعلوا أصناما رموزا لها فهم يعكفون عليها ،
كما في القرآن : " قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ "
ثم قال لهم بعدمـا بيـّن تناقضهم في عبادة جماد لايمكنه الدفع عن نفسه ،
كما في القرآن :
" قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ ، أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ" .
وهكذا هذا الكفر ، كذاك ، كما قال تعالى : " أتواصوا به بل هم قوم طاغون " .
ولهـذا فرُّوا من هذه الحيرة ، إلى الزعــم أن الطبيعة ليس لها إرادة ، وإنما حركتها عشوائية ، تسير إلى غير هـدف ، وحتى حدوث أوّل حياة فيها كان بمحض الصـدفة ، ثم زعموا أن تطوّر الحيــاة كان نتاج حركة عشوائية لاتسيـر إلى هــدف مقصــود ، حتى بلغت إلى الإنسان ، فهو عندهم لغير هدى يتّجــه أصلا ، ثم هم لايدري أيضا إلى أين مصيره ، وسيتطور فيما يأتي من الزمان المتطاول إلى كائن آخر ، وهكذا إلى مالانهاية ، كما قال اسلافهم ، قال تعالى : ( نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهــر ) ، فهذا الكفركذاك أيضا ، كما قال تعالى " أتواصَوْا به بل هم قوم طاغون " !
والحاصـل أنهم يبدؤون بالإنسان بالجهـــل عن بدء خلقـه ، وينتهون به إلى الجهل في مصيره ، ويجعلونه يعيــش بين هذا وهذا في جهالة تامة عن الهدف من وجوده ! كما قال تعالى ( قتل الإنسان ما أكفــره، من أي شيءخلقه ، من نطفـة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء انشره ، كلا لما يقض ما أمره )
فبين سبحانه مبدأ خلقه ، ثم إنه سبحانه هو الذي يدبر شأنه في تقلبات حياته ، ثم بين أنه خلق لهدف أن يمتثل أوامر الله .
وأما عبدة الطبيعة ، فتجدهم في أودية الحيرة يتيهون ، وفي هوَّة سحيقة يتردّوْن ، وهم في إضطراب دائم بسبب الجهل بالحق ، والتكذيب بالوحي ، كما قال تعالى ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمــر مريـج ) وكذلك كلّ من يكذب بالحق الذي جاءت به الرسـل ، يصيـر في اضطــراب ، وحيرة ، ومــرج ،
والعجب أنهم يتعبون أنفسهم في اكتشاف ما خلق الله تعالى دلالةً على أنه خالق كل شيء ، وبرهانا على ألوهيّته ،حتى إنهــم يقضون أعمارهم ، وينفقون أموالا طائلة ، في التوصل إلى أدقّ تفاصيل الخلق ، حتى حركــة الذرات ،
ثم إذا أتـّـوْا إلى الحقيقة الواضحة الساطعة كالشمس في رابعة النهار ، وهي أن الله تعالى خالق الكون ، ومدبـّره ، والمتصرف في شئونه سبحانه ، وأن إرادة الله تعالى العظيمة المحيطة بكل موجود في الوجود ، هي التي بها " أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " ، إذا أتوا على هذه الحقيقة التي لاتحتاج إلى التعب والنصب في البحث والتحري والتدقيق ، عَمُـوا عنها ، ثم فسـروا حدوث الحودث في الكون ، بنسبتها إلى الطبيعة فررا من نسبتها إلى خالقها ومدبرها !! فضلُّوا عن أوضح الحقائق ، وأضلُّوا ، وضلُّوا عن سواء السبيــل ، كما قال تعالى ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ).
والعجب أنهم يتهربون من السؤال البدهي الواضح ، من أوجد الطبيعة أصلاً ، ومن أين أتت ؟ وأين كانت قبل أن تبرز إلى الوجود ؟ ثم تجدهم عميــان البصيرة ، في ضلالهم يتخبطون ، ومآل أمرهم إلى الإعتراف بالجهـل والعَمَـه ، كما قال تعالى ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، وعلى أبصارهم غشاوة ) ، ذلك أنهم اتّبعوا أهواءهم ، وقــد قال تعالى ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لايهدي القوم الظالمين ) .
ومعلوم باتفاق أهل الإسلام ، أن الله تعالى خالق كل شيء ،ومدبّـره ، والمتصرف في الأكوان ، وأنه سبحانه لا يقضي في الخلق بقضاء إلا بحكمته العظيمة ، عَلِمها الإنسان الظلوم الجهول ، أم غابت عن فهمـه ، وعَرَفها أم عزبت عن إدراكه ، وأن قال بخلاف هذا فليس معدودا في ملة الإسلام .
ِكما قال تعالى " إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ "
وقال : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأْبصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَتتّقُوُن "
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :
" يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانيته وإلاهيته فقال تعالى " قل من يرزقكم من السماء والأرض " أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته ومشيئته فيخرج منها " حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا " أإله مع الله ؟ فسيقولون الله " أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه "
وقوله " أمن يملك السمع والأبصار " أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة والقوة الباصرة ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقوله تعالى " قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار " الآية وقال " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم " الآية
وقوله " ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " أي بقدرته العظيمة ومنته العميمة ;
وقوله " ومن يدبر الأمر " أي من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون " يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن " فالملك كله العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكة وإنس وجان فقيرون إليه عبيد له خاضعون لديه " فسيقولون الله " أي وهم يعلمون ذلك ويعترفون به " فقل أفلا تتقون " أي أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم "
والحاصل انه من الشرك بالله تعالى نسبة تدبير الله تعالى في خلقه إلى الطبيعة ، التي هي أيضــا خلق من خلق الله تعالى ، يحدث فيها ما شاء ، كما قال تعالى ( كل يوم هو في شــأن ) والله أعلم وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثــيرا .
|