الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
لا أنصح بالزواج عن طريق النت ، فإن الناس غفلوا أن النت عندما يقرب في كثير من الأحيان بين أناس متباعدين أشد التباعد ، يلغي عامل التوافق المجتمعي الذي يثمر التوافق النفسي والمزاجي وزوال العوائق المجتمعية بين الرجل والمرأة وأسرتيهــما في الزواج .
ونحن هنا لا نقول بشرط الكفاءة في النسب ، بل الكفاءه هي الكفاءة في الدين فحسب ، بهذا جاء الإسلام ، ونقر بأن كثيرا من الزيجات الناجحة حدثت بين مسلم بأقصى الشرق ومسلمة مــن أقصى الغرب أو بالعكــس ، فتقوى الله تعالى وحسن الخلق وطيب العشرة تصلح شؤون كل اســــرة ، ولكن يجب أن لانتجاهل أيضا أن الوضع الفطري ـ قبل أن تحدث وسائل الاتصال الحديثة هذه ـ أن يتزوج الانسان من مجتمعه بل من بيئته القريبة ، فيكون قد رأى الفتاة ورأته ، وعرف عنها ما يكفي وكذلك هي ، وكذلك الأسرتان يمكنهــما التواصل بسهولة.
أما التزويج عن طريق "النت" ، فإنه أوجد مشكلة كبيرة من ثلاث جهات : ـ
أولا : سهل تعارف الجنسين ـ وهو مخالف للشرع ـ من بيئتات مختلفة أشد الإختلاف أحيــانا ، متخطين الاسرة ، فلهذا عندما يقرران الزواج ، تأتي الحواجز الأسرية فتشكل عائقا أمام قلوب قد تعلقت ببعضها ، وفات الأوان على التراجع ، وكثيرا ما يصعب بل يستحيل إزالة هذه العوائق فتتحطم القلوب على صخرة اليأس ، وعلى واقع حياتنا الأجتماعيــة الذي لايرحم أحيـــــانا
ثانيا : الزواج عبر النت كأنه يريد أن يتحدى العوامل الاجتماعية الفطرية التي تربط بين الارواح وهذا كالسباحة ضد التيار ، فهي حقيقة لايمكن تجاهلها تلك التي تقول إن الإنسان يرتاح لمن هو من بيئته وينسجم مع عاداته ، فكيف نطلب من أسرة أن تتقبل أن يأتي الشاب بفتاة من بلاد بعيدة ليتزوجها قد وجدها عن طريق النت ، أو العكس ومعلوم أن مجتمعاتنا الإسلامية تجعل الزواج مشروع لحمة بين أسرتين ، وليس مجرد تكوين أسرة من رجل وامرأة ، وهذا التكوين الاجتماعي الذي يربط بين الأسر في المجتمع بالزواج والمصاهرة ، مهــم ونافــع ، ومن أسباب الحفاظ على الصحة الإجتماعية في الإسلام ، وهذا لايعني بلا ريب مصادر حق الشاب في اختيار زوجته ، أوالعكس ، ولكن ينبغي أن ننتبه أيضا أنه كلمــا كان هذا الإختيار في الإطار الاجتماعي الأقرب إلى الأسرتين ، كان أفضل وأدعى إلى نجاح مشروع الـــــزواج
ثالثا : الإنسان عندما يتخاطب بالمراسلة الالكترونية مع الجنس الاخر ، يفرض ذهنه من غير شعور منه ، صورة جميلة للذي يكتب له ، ويفرض فيه صفات حسنة ، وكذلك يعمل الذهن في كل ماليس لديه صورة سابقة مخزنة في الذاكرة ، وحينئذ فيتعلق القلب بما هو اشبه بالوهم ، ومع استمرار المراسلة يزداد هذا التعلق ، لاسيما والإنسان بالمراسلة ينتقي الكلمات الحسنة ، ولايرى منه الطرف الآخر أي عيب لانه لايرى منه إلا كلمات مصفوفة فحسب ، ثم إذا جاء عالم الواقع ورآى الرجل المرأة ، أو رأت المرأة الرجل ، فقد يصدم كل منهما بالفرق الشاسع بين الوقع وما فرضه الذهن من تلك الصورة الجميلة ، صحيح أنه قد يحاول تناسي هذه الصورة في البدء ، لكن مع الزمن يزول الوهم تدريجيا ، ويبدأ الواقع يفرض نفسه على القلب والشعور ، وكثيرا ما يحدث الانفصـــــال ، بعدما تسبب الزواج بتفرق الأسرتين المتصاهرتين أيضـــــا
ولهذه الأسباب كلها لا أنصح بالإعتماد على النت في الزواج لكن لو كان ثمة مواقع محافظة وملتزمة ولاينشر فيها معلومات على الملأ ، فالنشر على الملأ خطــأ كبير ، بل تقوم تلك المواقع بدلالة الرجــل على من تصلح له ممن هي من بيئته مثلا ، ثم هو عليه أن يخطب من واقع الحياة ومن خلال الأسرة ، ويسأل حتى يطمئن ، ويرى كما هي السنة ، حتى يتم مشروع الزواج على أسس متنية ، فهذا لابأس به .
هذا ويجب التأكيد هنا على أن الأسرة إن جاءها خاطب صالح وكفؤ للفتاة ، ويصلح للزواج منها ماديا ومعنويا ، وهي تريده ، فلايجوز لهم أن يحرموها من حقها في اختياره زوجــا لهــا ، بسبب أنه من غير بيئتهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من رد الخاطــب مرضي الخلق والدين ، وهــــم عندما يحرمونهــا من الزواج ممن تحــب يحدثون تحطيما هائلا في شخصيتهــا ، وهو أعني حرمان الفتاة من الزواج من خاطب حسن الخلق والدين ، من الظلم البين ، وخيانة الامانة ، فالفتاة بين اهلها أمانة يجب عليهم أن يحفظوها بحقها ، ومعلوم أن عاطفة المرأة جياشة وتحطيم عاطفتها أشد عليها من أي أذى يصيبها ، وقد أوصى بهن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، فما ظنكم بوصية النبي صلى الله عليه وسلــــــم ؟!