السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 9819 السؤال: هل يجوز أن يقول مسلم أفديك يا الله ؟
جواب الشيخ: السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الدكتور حامد العلي حفظه الله ورعاه
سمعت بعضهم يردد هذه المقولة التي أعتقد أن فيها تجسيم وخروج عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وما ذلك إلا بتسرع في الافتاء من قبل بعض الشباب غير الناضجين، هذه الكلمة هي
لا يجوز أن يقول المرء فداء للوطن ولكن عليه أن يقول فداء لله
فهل يا فضيلة الشيخ يجوز للإنسان أن يردد هذه الكلمات
أفديك يا الله
فداء لله
أو أفدي الله
وهل فيها تجسم للذات الإلهية وخروج عن معتقد أهل السنة والجماعة أم لا .
أرجو سرعة الرد من فضيلة الشيخ الكتور حامد العلي شخصيا. في قسم الفتاوى
مع إبلاغي بوجود الرد حال توفره بالبريد أيضا بسرعة
وفقكم الله ورعاكم
********************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
فهذا اللفظ قد ورد في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنــه قال : " خرجنا مع النيي صلى الله عليه وسلـــم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق قالوا عامر قال يرحمه الله .
فقال رجل من القوم وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به.
قال فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم قال إن الله فتحها عليكم.
قال فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذه النيران على أي شيء توقدون فقالوا على لحم قال أي لحم قالوا لحم حمر الإنسية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها واكسروها فقال رجل أو يهريقوها ويغسلوها فقال أو ذاك .
قال فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه قال فلما قفلوا قال سلمة وهو آخذ بيدي قال فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكتا قال ما لك قلت له فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله قال من قاله قلت فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري فقال كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله
------------
وقد استشكل بعض العلماء هذه اللفظة ، ليس تعليلا بإشعار " التجسيم " فإنه لايصح أن يعلل به كما سيأتي ، وإنما لأن الفداء يكون لمن يخشى عليه الفناء ، فكيف يقال في حق الله تعالى .
قال الإمام النووي رحمه الله : "
قوله : ( فاغفر فداء لك ما اقتفينا ) .
قال المازري : هذه اللفظة مشكلة , فإنه لا يقال : فدى الباري سبحانه وتعالى , ولا يقال له سبحانه : فديتك ; لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه يتوقع حلوله بالشخص فيختار شخص آخر أن يحل ذلك به ويفديه منه , قال : ولعل هذا من غير قصد إلى حقيقة معناه , كما يقال : قاتله الله , ولا يراد بذلك حقيقة الدعاء عليه , وكقوله صلى الله عليه وسلم : ( تربت يداك وتربــــــــت يمينك وويل أمه ) وفيه كله ضرب من الاستعارة ; لأن الفادي مبالغ في طلب رضى المفدى حين بذل نفسه عن نفسه للمكروه , فكان مراد الشاعر أني أبذل نفسي في رضاك , وعلى كل حال , فإن المعنى وإن أمكن صرفه إلى جهة صحيحة , فإطلاق اللفظ واستعارته والتجوز به يفتقر إلى ورود الشرع بالإذن فيه " .
وقال ابن حجر في فتح الباري :
" قوله : ( فاغفر فداء لك ما اتقينا ) .
أما قوله فداء فهو بكسر الفاء وبالمد , وحكى ابن التين فتح أوله مع القصر وزعم أنه هنا بالكسر مع القصر لضرورة الوزن , ولم يصب في ذلك فإنه لا يتزن إلا بالمد .
وقد استشكل هذا الكلام لأنه لا يقال في حق الله , إذ معنى فداء لك نفديك بأنفسنا وحذف متعلق الفداء للشهرة , وإنما يتصور الفداء لمن يجوز عليه الفناء .
وأجيب عن ذلك بأنها كلمة لا يراد بها ظاهرها بل المراد بها المحبة والتعظيم مع قطع النظر عن ظاهر اللفظ .
وقيل : المخاطب بهذا الشعر النبي صلى الله عليه وسلم , والمعنى لا تؤاخذنا بتقصيرنا في حقك ونصرك , وعلى هذافقوله : " اللهم " لم يقصد بها الدعاء , وإنما افتتح بها الكلام , والمخاطب بقول الشاعر " لولا أنت " النبي صلى الله عليه وسلم إلخ , ويعكر عليه قوله بعد ذلك : فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فإنه دعا الله تعالى ويحتمل أن يكون المعنى فاسأل ربك أن ينزل ويثبت والله أعلم " أ.هـ
والصحيح أنه لفظ قاله صحابي جليل ، في حضرة أعلم الخلق بربه ، فلم ينكر عليه ، وكان ي سياق يدل على أن المراد فدا لك يا الله ، فدل على جواز إطلاقه بلا ريب ، وأما معناه فهو على سبيل المبالغة في إظهار طلب رضا الله تعالى بتلف الأنفس ، ولايتضمن نسبة إمكان الفناء على الله ، تعالى ربنا عن ذلك ، لأن الفداء يطلق ويريد به القائل معنى : بذل الروح فداء ليبقى المفدى مع إمكان الفناء عليه ، ويطلق ويراد به بذل الروح ليبقى المفدى مع أن القائل لايتوقع فناؤه ، ولكن ليظهر له أنه يطلب رضاه بكل شيء حتى بتلف نفسه ، والثاني هو الذي يقال في حق الله تعالى .
وننوه إلى أن " التجسيم " لفظ مجمل ، أطلقه أهل الكلام ، ولم يُعرف في عصر السلف ، نفيه ولا إثباته ، فإن منهجهم هو عدم إثبات أو نفي شيء عن الله تعالى إلا بتوقيف ، ولهذا يقال لمن ينفي " التجسيم" ، ماذا تعني بهذا اللفظ : فإن قال أردت نفي أن الله تعالى يماثل الأجسام المخلوقة ، فما قاله حق ، ليس كمثل ربنــأ شيء وهو السميع البصير.
وإن قال أردت أنه لايوصف بالصفات الواردة في الكتاب والسنة كالسمع والبصر والحياة والقدرة والإرادة والعلم والكلام، كما تقول المعتزلة ، أو لايصوف بما زاد على هذه السبع كما تقول الاشاعرة ، فنقول له : إن هذا النفي باطل ، بل يجب إثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على أساس " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ، وأن لانثبت أو ننفي عن الله تعالى صفة إلا بما ورد في الكتاب والسنة ، دون أن نعترض على ذلك بأهواءنا ، ولانرده بعقولنا ، ونقول كما يقول الراسخون في العلم " آمنا به كل من عنــــد ربنـــــا "
والله اعلم
|