السائل: سائل التاريخ: 13/12/2006 عدد القراء: 12181 السؤال: شخص يجادل عن الطواغيت يقول لايلزم أن يكون الطاغوت كافرا ؟!
جواب الشيخ: السؤال:
فضيلة الشيخ ما رأيكم بشخص يجادل عن الطواغيت ، يقول : لايلزم أن يكون الطاغوت المبدل لأحكام الله الذي نصب نفسه مشرعا مع الله كافرا ؟ لانه قد يكون طاغوتا باعتبار عابديه ، مثل الذين يعبدون الانبياء والصالحين والشمس والقمر ، وادعى ان هذا هو قول المجدد محمد بن عبدالوهاب ، فما هو قوله ؟
*************************
جواب الشيخ:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
حاصل كلام العلماء : أن الطاغوت كـــلّ ذي طغيان على الله فعبد من دونه .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : ما تجاوز به العبد حده ، من متبوع ، أو معبود ، أو مطاع.
ولا يطلق عليه اسم الطاغوت إن لــم يكن هذا وصفه ، ثم إن المعبود من دون الله ، إن كان راضيا فكونه من الطواغيت واضح ، وإن كان من الأنبياء أو الصالحين الذين لا يرتضون عبادتهم من دون الله تعالى ، أو كان من خلق الله تعالى المسخر كالشمس والقمر ، فليسوا طواغيت بالنظر إلى ذواتهم ، وإنما الطاغوت هو الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله تعالى .
ومعلوم أن الذين يعبدون الصالحين أو الأحجار والأصنام أو الشمس أو القمر يتخيلون أنها راضية بعبادتهم وإلا لما عبدوها ، فهم يعبدون مثالا آخر في نفوسهم ليس هو الحقيقة ، إذ معبودهم الحقيقي كافر بعبادتهم ، فهذا المثال الذي زيّنه الشيطان لهم وزين لهم عبادته هو طاغوتهم ، والشيطان الذي زيـّن لهم هذا الشرك هو طاغوتهم ، كما يزيـّن الشيطان للإنسان هواه إلها فيكون طاغوته ، ويتخذ عقله إلهــا فيكون طاغوته ، ولو جعل هواه تبعا لما جاء من عند الله لم يكن طاغوته ، ولو جعل عقله مستنيرا بوحي الله تعالى لم يكن طاغوته .
ولهذا جاء في الحديث : ( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال:وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل أناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا، أليس ذلك عدلا من ربكم ؟ قالوا:بلى، فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا،- فال:- فينطلقون، ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون،- قال:- ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيزا شيطان عزيز ) رواه الحاكم والطبراني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه
وبهذا يعلم أن الطاغوت لا يكون إلا كافرا ، فإما هو كلّ ذي طغيان على الله ، فعبد من دون الله تعالى ، أو هو الشيطان المعبود من دون الله تعالى ، إذ زين للمشركين عبادتهم الأنبياء والصالحين ، كما زين عبادة بعض مخلوقات الله المسخرة ، فاطاعه المشركون ، ولهذا قال تعالى ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدو الشيطان إنه لكم عدو مبين ، وإن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) ، فكل عبادة لغير الله ، إنما هي عبادة للشيطان ، فهو الطاغوت الأكبر.
وهذا كلام المفسرين في معنى الطاغوت :
ــــــــــــــــــــــ
قال الطبري عند تفسير قوله تعالى ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ..الآية ) بعدما ذكر ثلاثة أقوال في تفسير الطاغوت وهي الشيطان ، والساحــر ، و الكاهن : ( والصواب من القول عندي في الطاغوت : أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونـــــه , إما بقهر منه لمن عبده , وإما بطاعة ممن عبده له , وإنسانا كان ذلك المعبود , أو شيطانا , أو وثنا , أو صنما , أو كائنا ما كان من شيء . وأرى أن أصل الطاغوت : الطغووت , من قول القائل : طغى فلان يطغو : إذا عدا قدره فتجاوز حده , كالجبروت من التجبر , والخلبوت من الخلب , ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير فعلوت بزيادة الواو والتاء . ثم نقلت لامه أعني لام الطغووت , فجعلت له عينا , وحولت عينه فجعلت مكان لامه , كما قيل جذب وجبذ وجابذ وجاذب وصاعقة وصاقعه , وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال )
وقال القرطبي في تفسيرها : ( " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله " جزم بالشرط . والطاغوت مؤنثة من طغى يطغى . - وحكى الطبري يطغو - إذا جاوز الحد بزيادة عليه . ووزنه فعلوت , ومذهب سيبويه أنه اسم مذكر مفرد كأنه اسم جنس يقع للقليل والكثير . ومذهب أبي علي أنه مصدر كرهبوت وجبروت , وهو يوصف به الواحد والجمع , وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه موضع اللام كجبذ وجذب , فقلبت الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت , واختار هذا القول النحاس . وقيل : أصل طاغوت في اللغة مأخوذة من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق , كما قيل : لآل من اللؤلؤ . وقال المبرد : هو جمع . وقال ابن عطية : وذلك مردود . قال الجوهري : والطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال , وقد يكون واحدا قال الله تعالى : " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به " [ النساء : 60 ] . وقد يكون جمعا قال الله تعالى : " أولياؤهم الطاغوت " [ البقرة 257 ] والجمع الطواغيت ) .
وفي الحديث : ( من سعى على والديه ففي سبيل الله، و من سعى على عياله ففي سبيل الله، [ و من سعى على نفسه ليعفها فهو في سبيل الله ]، و من سعى مكاثرا ففي سبيل الطاغوت ، و في رواية: سبيل الشيطان ) خرجه البزار وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن من حديث ابي هريرة .
والحاصل أن قول القائل : لا يلزم أن يكون الطاغوت كافرا ، إن كان يقصد أن من الصالحين من عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين أو الخلق المسخــر كالشمس والقمر ، فهؤلاء لا يصح أن يطلق عليهم طواغيت ، لكن يطلق الطاغوت على الشيطان الذي دعا إلى عبادتهـــم ، وما في نفوس المشركين مما يتوهمونه شركاء لله تعالى ، ثم هم يوم القيامة يتبرأون من شركهم ، كما قال تعالى ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) .
وكما قال تعالى ( وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) ، فظنونهم الكاذبة ، وتوهماتهم الكافرة هي طاغوتهم مع الشيطان الذي زين لهم عبادة الشركاء .
وإن كان يقصد من رضي أن يتخذه الناس طاغوتا معبودا أو متبوعا أو مطاعا ، مشرعا مع الله ، وأنه لا يكون كافرا مع ذلك ، فهذا هو الكفر بعينه ، و هو الجهل المستبين ، والضلال المبين .
وأما كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في الدرر السنية فقد قال الجزء الأول ص 82 والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة ابليس لعنه الله ومن عبد وهو راض ومن ادعى شيئا من علم الغيب ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ومن حكم بغير ما أنزل الله
وقال في موضع آخر : ـ
معنى الطاغوت ورؤوس أنواعه:ـ
ــــــــــــــــــ
اعلم رحمك الله تعالى أنّ أول ما فرض الله على ابن آدم الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، والدليل قوله تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أنِ اعبدوا اللهَ واجتنبوا الطاغوت ) .
فأمّا صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفِّر أهلها وتعاديهم.
وأمّا معنى الإيمان بالله أن تعتقد أنّ الله هو الإله المعبود وحده دون سواه. وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله. وتنفيها عن كل معبود سواه،وتحب أهل الإخلاص وتواليهم. وتبغض أهل الشرك وتعاديهم. وهذه ملّة إبراهيم التي سفه نفسه مَن رغب عنها. وهذه هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا بُرآءُ منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده
والطاغوت عام في كل ما عُبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله فهو طاغوت.
والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة:
الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين [يس:60].
الثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله، والدليل قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً [النساء:60].
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [المائدة:44]. ـ
الرابع: الذي يدّعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلُك من بين يديه ومن خلفه رصداً [الجن:26-27]، وقوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين [الأنعام:59].
الخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى: ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين [الأنبياء:29]. ـ
واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمنا بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم [البقرة:256]، الرشد: دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والغي: دين أبي جهل، والعروة الوثقى: شهادة أن لا إله إلا الله، وهي متضمنة للنفي والإثبات، تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له
---------
هذا ومن تأمل آيات الكتاب العزيز ، علم يقينا أن الله تعالى جعل اسم الطاغوت هو الاسم الجامع لضلال الكفر كلّه ، المقابل لهدى الإيمان الذي جاءت به الأنبياء ، فكيف لا يكون من استحق هذا الاسم كافرا ، سبحانك هذا بهتان عظيم .
كما في قوله تعالى ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ..الآية ) ، وهذه الآية تلخص الإسلام في كلمتين : الكفر بالطاغوت ، المقابل للإيمان بالله ، فهما ركنان لا يقبل أحدهما بدون الأخــر .
وكقوله تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) وقوله تعالى ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ) ، وقوله تعالى : ( فمن يكفر الطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ) ، وقوله تعالى ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ، وقوله تعالى ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) وقوله تعالى ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) ، وقوله تعالى (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ * وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ) .
أي وقد دخلوا بالكفر وخرجوا به بعبادتهم الطاغوت .
وهذا الرجل المجادل يتبع المتشابهات ، قد قرر في نفسه مسبقا أنه يريد أن يجعل هؤلاء الطواغيت المحاربة لله ورسله ، الصادة عن سيل الله يبغون العوج في الدين ، والمبدلة لشريعة الله ، الموالية لأعدائه ، الساعية في الارض بالفساد العريض ، يريد أن يجعلهم مؤمنين مسلمين ، ثم أخذ يتتبع المتشابه من كلام العلماء ، كما يتبع الذين في قلوبهم زيغ المتشابه من القرآن .
وهو يرى هؤلاء الطواغيت كل يوم يزدادون طغيانا كبيرا ، ويذكَّرون بالله فما يزيدهم إلا نفورا ، ويقتحمون لإرضاء الكفار كل كفر وردة ، فهم على استعداد أن يطمسوا دين الله تعالى لإرضاء من والوه من كفرة اليهود والصليبيين .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
|