الحسبة على الحاكم ووسائلها في الشريعة الإسلامية
بقلم فضيلة الشيخ: حامد بـــن عبدالله العلي
الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وشرع لنا اتباع قدوة الأنام محمد ، عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم أتم الصلاة والسلام ،
وبعـد :
فقد وجهت إليّ دعوة كريمة من أمين عام جمعية الإصلاح الاجتماعي ، للمشاركة في ندوة في موضوع الحسبة مع الشيخ الدكتور الفاضل جاسم المهلهل الياسين وعقّب عليها الأستاذ الكبير المستشار سالم البهنساوي ، كما حظي الحضور أيضاً بتعقيب مفيد من الشيخ الداعية أحمد القطان ، والأستاذ المحامي المطوع ، والأستاذ الدكتور عادل حسون ، وذلك ضمن فعاليات أسبوع الشريعة الإسلامية الذي تقيمه – مشكورة – جمعية الإصلاح الاجتماعي سنوياً لتسليط الضوء على قضية تحكيم الشريعة الإسلامية ، تذكيراً بهذا الأصل العظيم الذي فرط في هذا العصر على وجه لم يسبق مثله في تاريخ الأمة قط ، ولتداول الآراء والاستفادة من الخبرات ، وتبادل وجهات النظر .
وكان موضوع الندوة عن الحسبة ودورها في وقاية وحماية المجتمع الآمن ، وقد رأيت أن تكون ورقتي في موضوع الحسبة مقسمة إلى : ثـلاثـة جـوانـب :
الجانب الأول : حسبة الدولة على الرعية .
الجانب الثاني : حسبة الرعية على الدولة .
الجانب الثالث : حسبة الرعية على الرعية .
غير أني قد رأيت أيضاً أن أجعل عُظم ما فيها عن حسبة الرعية على الدولة في الفقه الإسلامي ، أو ( الحسبة على الحاكم ووسائلها في الإسلام ) ، وذلك حتى لا يكون حديثي في الندوة مكرراً مع الأستاذين الفاضلين المشاركين ، ثم رأيت بإشارة من بعض الأخوة الكرام – أن أنشر ورقتي المقدمة لأسبوع الشريعة على صفحات ( مشكاة الرأي ) في صحيفة الوطن ، حتى يعلم نفعها ، فأعدت ترتيبها وزدت عليها زيادات مهمة ثم نشرها الدكتور عبد الرزاق الشايجي مشكوراً جزاه الله خيراً على حلقات في مشكاة الرأي في صحيفة الوطن ، ثم ألح كثير من الاخوة أن نعيد نشرها مطبوعة لتصل إلى طلاب العلم ، وهــا نحن أولاء نجيبهم إلى ما سألوا .
هذا وإني لأعلم أن هذا البحث قد يثير كثراً من الجدال والقيل والقال ، بسبب ما يروجه أولئك الذين يزعمون أن الحاكم في الفقه الإسلامي ليس عليه حسبة ولا رقابة من الأمة ، فله أن يفعل ما يشاء ، ويحكم بالحكم المطلق من كل قيد ، فشابهوا دعوة القائلين بنظرية ( الحق الإلهي ) ، وهو اصطلاح سياسي أطلق على تلك النظرية التي سادت في أوروبا في القرون الوسطى ، إذ كانت الكنيسة تُعطي هذا الحق ، حق الطاعة المطلقة والتصرف المطلق في الرعية لبعض الملوك ، وينزلونهم منزلة الأرباب ، كما وصف الله تعالى شأن ضلال النصارى في القرآن : ( اْتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانْهُمْ أَرْبَاباً مِن دُون اللهِ ) .
وقد زعم هؤلاء المنتسبون إلى العلم الشرعي أن الأمة ليس لها الاعتراض على ما يفعله الحاكـــم ، وليس في الشريعة الإسلامية وسيلة لتقويمه أو تقييد سلطته البتة ، إلى وسيلة واحدة فحسب ، وهي نُصْحهُ سِراً فقط في أضيق الحدود ولا شيء وراء ذلك البتة ، وهؤلاء أخذوا بنص واحد مختلف في صحة إسناده ولم يفقهوه حق فقهه ، ورجحــوه بالإطلاق ـ بلا نظـر ولا فقه صحيح ـ على نصوص كثيرة تعارضه معارضة صريحة ، كما ضربوا بعمل فقهاء الملة في مختلف العصور عرض الحائــط ، وركب بعضهم مركباً صعباً إذ زعم أن كل من استعمل وسيلة لتقويم الحاكم غير النصح السري فهـو خارجي مارق ، أشــد على الأمة الإسلامية والملة المحمدية من اليهود والنصارى ، ولا ريب أن من وصل إلى هذه الدرجة من التجني على الفقه الإسلامي ، فإنه يكون ظالما للشريعة الإسلامية رامياً لها بعيب ونقص كبيرين ، وهو مع ذلك يؤيد من حيث يشعر أو لا يشعر العلمانيين الذين يثيرون الشبه على الشريعة الإسلامية برميها بعدم القدرة على مواكبة العصر .
هذا وقد قابل هؤلاء قوم دعوا إلى إهدار قاعدة تحمل أدنى المفاسد خشية الوقوع في أعلاها ، والتي دلت عليها نصوص الشريعة المتظافرة ، ونادوا بأخذ ما في بلاد الغرب وما عند غير المسلمين في هذا العصر من الوسائل السياسية لتقييد السلطة بلا حدود ولا قيود ، متناسين أن الشريعة – على سبيل المثال – قد رجحت الحفاظ على وحدة الأمة ولو على نقص فيها ، على تقويم اعوجاج الحاكم إذا كان تقويمه يؤدي إلى ضرب وحدتها ، وذلك من باب ارتكاب أدنى المفسدين .
لـــــتحـــمــــيل الـــكــــتـــــاب:
الحجم:(173kb)
اضغط هنــا
أو
اضغط هنــا الكاتب: حامد بن عبدالله العلي التاريخ: 22/01/2007 عدد القراء: 21878 |